08‏/07‏/2009

Coco Chanel & Igor Stravinsky

PDF

من فضائل السينما، أنها تعيدنا،متى اكتملت عناصرها، إلى أي زمن، كما ظفرنا باسترجاع فاخر لعشرينات فرنسا، وصورة مقربة لعلاقة ربطت اثنين من أهم ايقونات القرن العشرين، كتقاطع ثرّ بين الثقافة والفن، لحملة أسلوب عبقري كل في مجاله: كوكو شانيل وإيغور سترافينسكي اللذان سطرا فصلا عاطفيا دخل في أساطير الحب للمجتمع الغربي قبل الحرب العالمية الثانية، التحام عابر لثنائي أحدث كل منهما ثورته مغيرين النمط السائد في زمانهما بالتداخل الذي فرض أسلوبهما على المجتمع طوال عقود.
Coco Chanel parle de la mode

شانيل العصامية
السينما الفرنسية تدخل بقوتها لتصوير ثالث فيلم عن «غابريال» (ستكون فيما بعد كوكو شانيل) التي فقدت أمها في الثانية عشرة من عمرها، وتركها والدها مخلفا في عهدتها خمسة أشقاء في دار للأيتام، لتضطر إلى العمل بالأجر اليومي لدى خياطة محلية لتتحول إلى أشهر مصممة أزياء وعطور وإكسسوارات في القرن العشرين ولغاية اليوم، حيث مضى على وفاتها 40 عاما.
Coco Chanel and Igor Stravinsky

لا يزال أسلوبها المبتكر في الأناقة الذي حررت فيه الملابس من الزخرفات الزائدة وتشذيبها التايور التويد والاحذية ذات اللونين والقبعات والحقيبة المبطنة ذات السلسلة الذهبية وغيرها من بصمات التغيير الذي أحدثته في عالم الجمال ابتداء من أول دار للأزياء افتتحتها عام 1919 – باريس وأول عطر «شانيل – 5»، محدثة كل عام صدمة جديدة في الموضة جعلت الأمراء والدوقات ورؤساء الحكومات يتمنون لقاءها، لغاية وفاتها في منفاها الاختياري بعمر 87 عاما في ريتز - لوزان ودفنت في سويسرا، تاركة ملايين لا تحصى من «مجانين شانيل».
سيدات العصر
تعمدت بعد مشاهدتي «كوكو شانيل وإيغور سترافينسكي»، مشاهدة فيلمين كلاسيكيين عن ماري أنطوانيت وإديث بياف، محاولا البحث في العناصر المأساوية التي تربط النساء الثلاث، الحظ، العمل الشاق، اليتم، البحث عن الحب، الأجواء الارستقراطية في ذلك الوقت، استقلالية المرأة الفرنسية واستماتتها من أجل تحقيقها، مراقبة الملابس والتصاميم والتركيز على اللونين الأسود والأبيض، وكذلك إدهاش الفن الأصيل.
فماذا يعني أن ترتدي كوكو شانيل البنطلون، بينما الناس من حولها كانوا في الملابس الإدواردية!
الإثارة لا تنحصر في جرأة شانيل التي امتلكتها عام 1919، بل لأنها كانت حالمة، ولو ننظر قرنا للوراء، سنجد كم كانت هذه المرأة مدهشة. فمن كان يفكر في عام 1913 تقديم الملابس الرياضية للنساء في محلها الجديد في Deauville؟

CHANEL

إن شانيل بهذه الخطوة الجبارة شكلت «جيلا جديدا» من النساء الواثقات بأنفسهن وأخرجتهن من ارتداء ملابس القطيع وكما قالت مرة: «أعطيت النساء إحساس الحرية، أنا أعدتهن إلى أجسادهن، الأجساد التي نقـّعت بالعرق، بسبب البطانات والكورسيهات والملابس الداخلية الخشنة». وهي لم تفكر أو تعمل لخدمة نساء المجتمع الراقي، كما هو شائع عنها، بل كان جمهور أزيائها متنوعا ومتاحا للجميع تقريبا، بعد تقديمها تصميم السترة مع الجينز الذي افتتحته الرائعة كاترين دينوف. ناقلو الأجواء المهيبة
Fashions Of The 1920's

وبكامل الهيبة سنستمع في الشريط إلى موسيقى سترافينسكي الخالدة والمحرضة بغزارة نتيجة العمل الجاد للموسيقى التصويرية لغابرييل يارد (الفائز بأوسكار أفضل موسيقى تصويرية عن فيلم «المريض الإنكليزي») والمجموعة الرائعة التي قدمتها مصممة الأزياء ماري هيلين سولموني التي أرجعت كل من شاهد الفيلم لأجواء العشرينات لغاية الأربعينات وإشراف فاب شاتوني على كل الملحقات الخاصة بالإكسسوارات، تاركين الفن يتحدث عن نفسه، وإن وجد نفسه في الأماكن الضيقة.
CHANEL: Défilé de la collection 1959

زمان الترف والجمال
ستدخل كاميرات مدير التصوير ديفيد إينغارو الفيللا الأنيقة لكوكو شانيل التي لا تجد صعوبة لرؤية باليه في مسرح دي شانزليزيه لموسيقار روسي شاب متمرد على القديم ومتعصب للتجريب. وكما في رواية كرس غرينهالغ الذي يعتني بعلم النفس والفن في أعماله مشتركا بكتابة السيناريو سوية مع كارلو دي بوينتيني، فإن المخرج الهولندي يان كونين عبر العتبات نفسها لزمن الترف، مفتتحا شريطه بباليه سترافينسكي 1913 Sacre du printemps «طقوس الربيع» بدفع من سيرجي دياغيلف لمنظم حفلات الباليه الذي سينضم بعد سبع سنوات لمجموعة أصدقاء شانيل مثل بيكاسو وليفار وسلفادور دالي وبول موران وكوكتو وشابلن وحتى تشرشل، بالإضافة إلى سترافينسكي الذي كان يتعرض حينها لانتقادات الجمهور البورجوازي الغاضب على ألحانه الساخنة وطريقته التجريبية في مزج الرقص بالموسيقى، وذلك النشاط الملتهب على المسرح الذي لم يتعوده مشاهد الباليه الكلاسيكي وقتذاك.
Coco Avant Chanel - L'amore prima del mito

يعرف تاريخ الموسيقى جيدا الصدمة الكبيرة التي أحدثها عرض «طقوس الربيع» في باريس – 1913 حين حرر سترافينسكي الباليه من قيود المدرسة الفرنسية، وذلك الـ scandales الفني العظيم الذي اعتبر الأهم في القرن العشرين، ناقلا ملكية الباليه من باريس إلى موسكو ليومنا هذا والذي قوبل حينها بقطع الإنارة عن الجمهور الصاخب والحزين للانتهاك الذي تعرض له الباليه على يد الشاب الروسي الذي تعرض لعملية طرد كنفاية ضارة.

قدما نحو الحب
ايغور سترافينسكي (الممثل الدانمركي مادس ميكلسن) كان رجلا نقيا تملؤه كرامة «عزيز قوم» وجد نفسه هاربا من حكم الرعاع في روسيا، وهذا أثر في مزاجه الفني الذي أصبح كئيبا حتى عندما يعزف على البيانو ويكتب ألحانه على الورقة بخشونة، بينما كوكو شانيل (النجمة الفرنسية الصاعدة آنا موغلاليس)، وإن كانت يتيمة ومعوزة، لكنها امتلكت الوجه والرقبة الطويلة للارستقراطيين وتتميز بهدوء طباعهم، وعيناها السوداوان تناسقتا مع شعرها، وفي الوقت الذي كانت فيه تبحث عن عطرها، كان إيغور يفتش عن موسيقاه. وبعد رفضه لمالها، ستدعو شانيل، إيغور وزوجته كاترين (إلينا موروزوفا) بعد أن اضطر للهرب من روسيا، يستقر بعدها أطفالهما الأربعة اللطيفون في فيللا مستأجرة في بيل ريسبيرو، حيث تقترب مشاعرهما، التي أدركتها الزوجة المريضة كاترين مباشرة، وبالمستطاع تخمين التوتر في هذه الفيللا والذي لم يكن من المتاح احتواؤه إلى الأبد.

ذلك لأن الحب يشكل نفسه دائما، بين شخصين مشحونين جنسيا وذوي إرادة قوية لكي تكون الأنا لديهما في الدرجة نفسها من الحرارة، لا يتطفل عليها الفن ولا عائلة ايغور، ولابد أن نسجل هنا الصعوبة التي واجهها يان كونين من أجل الوصول لعمق إلفة من هذا النوع وتأثيرها على الطرفين في حياتهما المستقبلية.
فليس من السهل على المشاهد المعاصر تقدير حالة سترافينسكي وما تعرض له هذا الشاب المتمرد على الموسيقى والباليه الكلاسيكيين، وماذا يعني أن يجد نفسه بلا مورد في المنفى مع زوجته المريضة وأطفاله الأربعة، حتى ترميه الأقدار في طريق شانيل المرأة المستقلة جدا والمستعدة لأن تكون عشيقة أي شخص، المحصنة ضد آلام الضمير، في أقصى نوباتها تعد علاقتها مع الزوج المحبّ «نزوة مؤقتة» لغاية استدانته الترفيه من قلعتها بما في ذلك دفع ثمن ذلك بممارسة الجنس معها بانتظام.
الحب الإشكالي
أصبح لدينا بعد هذا الربط فضاء كاف لاستكشاف العديد من القضايا، منها طبيعة الاشتباك بين شخصيتين تمتلكان قدرا استثنائيا من الطاقة والموهبة، ليس كتقدير رؤية كونين، بل ما هو أبعد، لأن الكتابة عن الحب وتمثيله وتصويره وإخراجه مسألة غاية في الصعوبة، ولعل هذا الموضوع المرتبط بالحب الإشكالي، هو الأصعب في الفن على الإطلاق.. يمكنك تصوير الجريمة، الرعب، الخيال العلمي، الحرب، الطبيعة، التاريخ، لكن في أفلام الحب، لاسيما الخاصة بالمشاهير، فإن الأمر يحتاج إلى مستوى داخلي مثير يلائم التسجيل الوثائقي، ولكي لا نرى لوحة الإنجازات: موسيقى سترافينسكي من جهة تقابلها ملابس شانيل الداخلية، مثل هذا الفن الملصوق بعضه مع البعض الآخر، لا معنى له، لأنك لا تقدر في النهاية أن تتخلى عن التركيز على السيرة على حساب اللباقة العاطفية، والعكس ضروري جدا أيضا.

وهم السينما
وهذا دور المخطوطة التي شارك في كتابتها الروائي والمخرج لأنها قاعدة الفيلم، لكن الأحداث ظهرت بلا خلفية والحوار بلا مغزى، ولا مجال لإقناعنا بأن الرواح والمجيء لكوكو العارية في غرفة النوم سيجعلنا نهتم بالمشهد السهل والمكرر والتقليدي كما هي حال مشاهد الزوجة كاترين الغيورة بعد كل لوحة جنسية.
إن اللحظات التي خدمت الشريط، تلك التي ألهم بها سترافينسكي العالم بسيمفونياته التي استخدم فيها الآلات الهوائية والقطع الخمس وتطوير شانيل لعطرها المعروف، وسنبقي الحكم مفتوحا على أداء مادس ميكلسن وحضوره محل عبقري الموسيقى وقدرة آنا موغلاليس للتوسط بيننا وملكة الأزياء وكآبتها المفتوحة على كل احتمالات الحب المتذبذب، لعلهما يجذبان الجمهور.
ونرى أن أهم إنجاز لكونين قدرته على إيهام السينما، وعرض مخلوقين عبقريين يلتئمان لكي يتحطما معا تكريما لوفاء سترافينسكي لزوجته، فيما تموت شانيل ضعيفة ووحيدة إلا من الطقس الربيعي الذي يجعلها ترى نفسها شابة وحية ترقص في باليه إيغور الوحشي.

دونت سيرة حياة كوكو شانيل المصممة الوحيدة التي اختيرت من بين أهم 100 شخصية أثرت في القرن العشرين، عشرة كتب، والعديد من المسرحيات وثلاثة أفلام، كان آخرها الشريط الذي استمتعنا بعرضه على هذه الصفحة واختتم مهرجان كان في دورته الأخيرة.
وقبله قامت المخرجة آنا فونتيني باقتباس حياتها في شريط تلفزيوني عن كتاب لأدموند شارل رو «ليريغوليير» وقامت بدورها فيه الممثلة أودري توتو وعرض في باريس أبريل الماضي.
أما النجمة شيرلي ماكلاين، فقدمت شانيل في الفيلم الذي حمل عنوان المصممة باشارة جانبية «سيدة الأسلوب».
وفي عام 1969 وأثناء حياتها مثلت حياتها الأسطورة الأخرى أودري هيبورن على مسرح برودواي.

03‏/07‏/2009

مايكل جاكسون في السينما

PDF


عرف العالم مايكل جاكسون كأحد أهم أساطيره الموسيقية، لكن ليس كل العالم مطلعا جيدا على إسهاماته في السينما، لاسيما في مجال الموسيقى التصويرية والمؤثرات الأخرى وكذلك تطويره لما يعرف الآن «الفيديو كليب» أو الموسيقى المصورة بتحقيقه طفرة نوعية فيها أجبرت شركات «متخصصة بالبيض» مثل «أم تي في» لتقديم هذا الفتى المنحدر من أصول أفريقية لأغنية Thriller التي عمل فيها خيرة الفنيين في هوليوود وأنتجت بمبلغ يفوق الكثير من الأفلام الروائية وساهمت في ظهور نموذج جديد للأغنية المصورة سينمائيا. وهكذا، لم يكن ملك البوب غريبا عن عالم السينما، سواء لعبه أدوار البطولة، أو ظهوره الشرفي في بعض الأفلام، ناهيك عن موسيقاه المصورة التي أبهرت المشاهدين في زمانه.

مخرجون كبار
والمثير أن سيناريوهات أغانيه وكذلك إخراجها قام بها كبار المخرجين في العالم مثل مارتن سكورزيسي في أغنية Bad وجون لاندز أخرج Thriller و«هم لا يهتمون بنا» They Don't Care About Us، وديفيد فينتشر لأغنية «من هو؟» ?Who Is It ونحو 20 أغنية مصورة قدمت «مايكلنا المفضل».

The Wiz
فيلم مغامرة موسيقي أخرجه سيدني لوميت عام 1978 وقامت ببطولته ديانا روز كمعلمة للأطفال من أصول أفريقية في حي هارلم المكتظ بهم: مايكل جاكسون ونيبسي روسل ولينا هورني وتيد روس وتيريزا ميريت وريتشارد بريور وستانلي جرين.. وأنتجه روب كوهين.
سيناريو جويل شوماخر عن رواية شعبية لفرانك بوم يحيلنا الى العالم السريالي لذوي الأصول الأفريقية في نيويورك الذين اعتمد عليهم الشريط كليا؛ أولئك الرجال المختلطين مع حاويات القمامة، العمال الذين يقضون يومهم في كسب العيش والأطفال الذين يعرفون الموسيقى أكثر مما تحويه المكتبة العامة للمدينة. اعتمد الشريط على المسرحية الغنائية لبرودواي وأغاني لوثر فاندروز الذي أطلق وقتها مجموعة من موسيقاه الجديدة بالاعتماد على مجموعة songwriting نيكولاس آشفورد وفاليري سيمبسن.
وبالرغم من أن الفيلم فشل تجاريا ونقديا وأشر إلى نهاية نهوض أفلام الأميركيين الأفارقة التي كانت قد نشطت بفضل الحركة الفنية Blaxploitation في مطلع السبعينات، فإنه رشح إلى أربع جوائز للأكاديمية السينمائية كأفضل: اتجاه فني، تصميم وملابس، موسيقى أصلية وأفضل إنتاج.
حبكته بسيطة محورها يدور على المعلمة دوروثي (ديانا روس) التي تعيش مع عمتها (تيريزا ميريت) وعمها هنري (ستانلي غرين) الانطوائي جداً، وبدورها تحاول دوروثي الاستقلال بحياتها.
وفي غضون الاحتفال بعيد الشكر، يحاول كلب دوروثي (توتو) استقبال العيد بطريقته، فينسل من باب المطبخ ليتيه وسط عاصفة ثلجية ويتحتم عليه مواجهة المدينة لأول مرة، ليقابل في الصباح التالي مايكل جاكسون ويتصادقان بمشاركة العديد من سكان الصفيح والمومسات والسحرة والمشردين، ليجنح الشريط نحو المطاردات والمغامرات التي تتخللها الموسيقى والرقص مذكرتنا بأغنية «لا تستطيع الربح» لمايكل جاكسون و«أسفل الطريق» لمايكل ودايان روس التي غنت «البيت» أيضا، وهو فيلم للحنين لا يوجد سبب لدينا الآن لمراجعة عيوبه.

المشي على القمر
قدمه المخرج كولون تشيفرز عام 1988 بعد أربع سنوات من الإعداد بعنوان جانبي «الأسطورة تستمر»، من إنتاج دينيس جونز وجيري كرامير، كتب السيناريو ديفيد نيومان مستندا الى قصة كتبها مايكل جاكسون نفسه وأدار التصوير جون هورا وموسيقى بروس بروتون وشارك مايكل جاكسون كل من: شون لينون وكيلي باركر وبراندون آدامز.
والشريط قريب الى أن يكون السيرة الذاتية لمايكل جاكسون، وهو قطعة موسيقية مليئة بالرقص والأطفال والمؤثرات الجديدة وقتذاك، ويبدو كأن السيناريو اهتم بربط أغاني مايكل جاكسون بعضها مع الآخر وأفلح في تقديم شريط منظم ومحترف وممتع في الوقت نفسه. خلال 93 دقيقة يسترجع الشريط أغاني مايكل المبكرة حينما كان مع مجموعته يقلدون أغاني براندون آدامز والتعليقات التي نالها جاكسون في الصحف الشعبية تصاحبها قطع من الصور المتحركة التي نفذها جيم بلاشفيلد ومحاولات مايكل الصغير في تحوير أغاني البيتلز بأسلوبه الخاص، لاسيما تقليده الإنسان الآلي وحركاته المبتكرة التي عشقها العالم في غضون تصويره الأغنية التي تحمل الاسم ذاته.

رجل في المرآة
سيرة سينمائية أنتجت عن حياة مايكل جاكسون عام 2004، متنقلة في محطات مختلفة من حياته المشحونة بالمال والشهرة والغرابة والفضيحة والنجاح والعزلة والحزن.
مراجعة مؤلمة منذ بداياته الشجاعة مع عائلته البائسة في غاري ومن ثم أنديانا ومجموعة «جاكسون – 5» لغاية نجاح ألبومات الثمانينات حتى الهبوط القياسي لمبيعاته واتهاماته بالسلوك المنحرف مع الأطفال في مدينة الملاهي التي شيدها في Neverland.
بينما التسعينيات تنتهي، يبدأ مايكل بتوضيح سلوكه في المقابلة التي صاحبها برنامج وثائقي ( الأولى مع أوبرا وينفري 1993 والثانية الأبرز في نهاية التسعينات مع مقدم لا أتذكره) يتحدث فيها الموسيقي المشهور جدا تحت ضوء خافت معترفا بحبه للعلاقات مع الأطفال ويعتبرها مجرد علاقات إنسانية دافعها العطف والحب، تلك الاعترافات التي قادته في النهاية ليوضع تحت الحراسة المشددة وتجذب الكثيرين لإلقاء التهم عليه من كل صوب.
نعتقد أن دقائق الفيلم الـ 86 كانت معصورة بلا موسيقى، بحيث لا تمنح المجال لا العطف على ملك البوب ولا الغضب عليه، كما أن الشريط قفز على مراحل كثيرة من حياة مايكل لا تعفي أي مرآة لتجاهلها. والفيلم أنتج في وقت غير مناسب، حيث كان العالم يتابع أخبار محاكمة جاكسون والظروف المتعبة التي كانت تحيط به، ناهيك عن التقديرات التافهة التي تم تكديسها ضد ماضي الطفل السابع لعائلة جاكسون ومشاجراته مع أبيه القاسي والتقييم السطحي لثقافة البوب والتركيز على سلوك جاكسون الشاذ لمشاركته السرير مع الأطفال وكأنه يحاول رمي هذه القنبلة التي لم تعد كذلك بعد محاكمة الموسيقي العلنية.
سيتم تفادي شهادات راعيته الروحية الصديقة والممثلة إليزابيث تايلور ودس ممثلة مغمورة للعب دور جانيت جاكسون كما الحال بالنسبة لكريستا راي وليسا ماري بريلسي كزوجة محبطة لا تملك أي حيلة تجاه زوجها الغريب.
ومن الواضح أن قصة مايكل جاكسون لم تكتبها وتخرجها السينما بعد، ولعل الفترة اللاحقة مهيأة لحدث فني من هذا النوع، ولكي يظهر فيلم سينمائي عن ملك البوب، عليه البداية مع ذلك الطفل الذي اجتاز الطريق وحيدا ووضع مسافة ما بين المبدع الكبير وفضائحه ولا ينبغي أن يتحول الفن إلى سوط يجلد من شيده.
لقد كان شريط «رجل في المرآة» رخيصا ولم يتحمل ثقل الملك ومنخفضا حتى في المعايير الفنية واعتماده على شرائط الفيديو لم يكن موفقا بالمرة، ناهيك عن توقيت عرضه الخبيث.

ألم يكن هذا الرجل مفيدا؟!
ملك الموسيقى الشعبية بلا منازع، أثر على كل الأجيال التي ظهرت بعده (لا يقارعه غير الفيس بريسلي والبيتلز) واستطاع إدخال التصوير السينمائي بقوة في أغانيه وحشد فيها سيناريوهات مثيرة وساعد على انتعاش الفيديو وأدخل تقنيات للرقص معقدة جدا كالإنسان الآلي والمشي على القمر والتحكم الرهيب بجسمه أثناء الميلان بزاوية 45 درجة إلى الأمام وأسلوبه الصوتي المتميز الذي غيـّر الهيب هوب والبوب المعاصر عبر أجيال غير محددة.
ومايكل جاكسون تهوى الصحافة نشر أنباء «شذوذه»، ولسبب ما تتحاشى ذكر تبرعه بمئات الملايين من ثروته لبناء مؤسسات نافعة. فقد كان يدعم 39 جمعية خيرية ورعى ماليا مركز بروتمان الطبي في مدينة كولفير في كاليفورنيا و«صندوق الزنوج» الذي كان يضخ فيه سنويا نسبة محددة من إيراداته، ودعاه الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان والسيدة نانسي ريغان في مايو 1984 ليسلموه درع الإنجازات الخيرية باسم الأمة الأميركية وكان يتبرع بعد كل جولة خارجية بمليوني دولار للفقراء بغض النظر عن لونهم وجنسهم، كذلك تبرع بكل إيرادات فيلم «رجل في المرآة» إلى الفقراء.
وهذا الرجل كتب بالمشاركة مع ليونيل ريتشي كلمات وموسيقى أغنيته الشهيرة «نحن العالم» التي حولت أنظار المجتمع الدولي لمساعدة الفقراء في أفريقيا وخصص 20 مليون دولار من مبيعاته لمكافحة المجاعة. وبعد تحطيمه الرقم القياسي في أحد الجولات التي ربح فيها 125 مليون دولار منح أغلبها إلى المستشفيات وملاجئ الأيتام والمنظمات الخيرية المختلفة.
وأسس مايكل مؤسسة «المشفى العالمي» عام 1992 التي كانت ترسل ملايين الدولارات كل عام إلى أطفال الدول التي تهددها الحروب والأمراض. كما تبرع بحقوق إذاعة أغانيه عبر «أتش بي أو» التي اعتبرت صفقة قياسية حينها، لمراكز بحوث الأيدز، وفعل الشيء نفسه بعوائد حضوره تنصيب الرؤساء جورج بوش وبيل كلينتون.
نال 13 جائزة غرامي ( بما فيها أفضل ألبوم للأطفال وجائزة خاصة سميت باسمه «الأسطورة الحية» في الدورة 35 في لوس أنجلوس ) وباع 750 مليون تسجيلا متنوعا مع 133 حفلا موسيقيا ضخما حول العالم وسجل الرقم القياسي في عدد الجمهور الذي يحضر حفلا موسيقيا حينما استمع إليه 4.4 ملايين شخص بشكل مباشر.