15‏/04‏/2009

Revolutionary Road


منذ عرض «تايتانك» عام 1997 ومحبو هذا الفيلم يتعطشون الى إعادة تجربة ليوناردو دي كابريو وكايت وينسلت لاسيما كيمياء الصداقة العظيمة بينهما، حتى سنحت لهم الفرصة في رؤيتهما مجددا في هذا الشريط، لكن النتائج ربما سببت لهم القدر نفسه من الضيق والبهجة.
أخرج الفيلم وأداره زوج وينسلت سام ميندس ونقل بطريقة مخلصة جوستن هاوث السيناريو من رواية ريتشارد يايتس الصادرة عام 1961 حول الأحلام الضائعة والمسرعة لسكان الضواحي في منتصف الخمسينات الذين يدركون فجأة بأنهم وجدوا طريقهم الجديد و«الثوري» في الحياة لكي يخرجوا من عزلتهم التي جعلتهم كجاليات قروية في المدن الكبرى. وسيرون كيف أنهم سينقسمون في النهاية بعضهم مع بعض وجيرانهم بتأثر الكدح اليومي الذي سينشف سعادتهم ويزيد من سخطهم.
نحن في غرب كونيكتيكت في عام 1955 ولدينا نموذج لعائلة صغيرة من فرانك ويلر (ليوناردو دي كابريو) وأبريل (كايت وينسلت) التي رشحت لجائزة أوسكار أحسن ممثلة مساعدة عن هذا الدور، لكنها فازت كما هو معلوم في الدور الرئيسي لعملها في فيلم «القارئ» الذي استعرضته هذه الزاوية قبل أسابيع، وكم كان حدثا غير مسبوق في تاريخ الأوسكار لو فازت كايت في الجائزتين، لاسيما أنها كانت تستحق الجائزة بلا أدنى تردد عن دورها هنا، ووضعها زوجها في دور لا يمكن تخيل شكل الفيلم بدونها.

البيوت حينما تصمم بشكل رائع كسجون !


سنوات بلا معنى
الإيقاع يسير متجهما وحزينا كما طرحته رواية يايتس ويحافظ على أسئلتها الحادة التي لا تقبل الخيارين سيناريو هاوث. فيه تأمل للحياة وتسوياتها والأكاذيب اليومية التي يسببها الضجر والتهميش وفقدان التوازن بين الأيام والسنوات التي تمر بلا معنى وبدون شجاعة لتغيير مسارها حتى ولو بالأحلام.
لم تكن فترة مظلمة من زواج شابين، بقدر ما كانت تيه جسّده العبقري بيرغمان في شريطه الفذ «مشاهد من الحياة الزوجية»، ولم تكن تعاسة دي كابريو في عمله واضطراره الى المواصلة لحاجته الى المال بعد أن فوجئنا من دعوته لوينسلت للرقص في حفل عابر، إلى تحولهما إلى عائلة فيها طفلان، ولا تكاد تفرق لدى أحد تلك السنوات التي أهملها الشريط، لأن موضوعه يبدأ، بعد تشكيل العائلة، ومحاولة الزوجة أبريل بيع بيت الضواحي والهروب الى الأمام، وهذه المرة إلى باريس، التي كان مجرد سماع اسمها من الجيران، يجمد كؤوس القهوة في الكف. لكن التغييرات الثورية التي كانت تخطط لها أبريل وتمنحها سعادة مؤقتة، قوبلت بمهلة التفكير التي طلبها فرانك لكي يمهد الطريق الجديد في دماغه ويرتب «فراغه اليائس» باكتشاف الذات.
وبدا أن «اكتشاف الذات» لم يكن سوى ترقية منتظرة في العمل لشركة مكائن كبيرة في مانهاتن، تتطفل على خيال ابريل المندفع لشق «مسار التغيير» (الذي نفضله لتطبيع عنوان الفيلم)، متحمسا لفكرة الترقي الوظيفي، كأن صعود المرتب حفنة من الدولارات سيجيء أيضا بالحلول عندما تبدأ المخارج بالزوال، وخاصة بعد الحل الروائي السهل باصطدام الاثنين بالحبل الثالث على التوالي، الذي جاء في لحظات كان فيها الزوجان يشقان طريقهما المعاكس.


لطخة الدم
المخرج سام ميندس على خلاف زميله ديفيد لنتش، لم ير الضواحي بائسة، بل عكس الجمال الأميركي، لكنه اعتبرها مستنزفة للحياة، طارحا السؤال ضمنيا: هل هذا الحلم الأميركي، أن تكون لك زوجة وأطفال وبيت مقابل أن تساوم الاستقرار مقابل روحك وإبداعك!
سام الذي جعل من شاهد شريطه النادر «الجمال الأميركي» يعاني حتى الآن وكذلك فيلمه «الطريق إلى الجحيم» والقراءة القاسية لمذكرات الحرب في Jarhead ليعود ويذكرنا بلطخة الدم بشكل وردة استخدمها في هذا الشريط عند المشهد الختامي لوينسلت.
معارك الأوهام
ولا نعتقد أن السنوات الخمسين غيرت المشكلة في أميركا ولا في غيرها، فالحياة الرتيبة سائرة نحو خنق الزيجات الواحدة تلو الأخرى، مهددة منظومة الزواج بشكل جاد حيث الأغلب يتحدث عن الطلاق والقليل يندفعون نحو الزواج (بالذات في هذه المجتمعات)، لا ادعاءات في هذا الفيلم أو غيره، على أن المعتقدات الدينية ستساعد على حلول السلام المؤقت لو طفح كيل الرتابة، ليس الأوهام حلا لمواجهة تحديات الملل، هناك معارك تنتظر الأحلام، في العمل، ذرائع أحد الزوجين، النزاعات الحمقاء المتخصصة بالتوافه اليومية، المعارضة المتأصلة في طبيعة الإنسان الذي يجد نفسه مرتبطا مع آخر بمصير مشترك وغيرها.


طريق الأحلام
ان الشريط قدم لنا عائلة مثالية في أسوأ وأفضل ما تكون عليه، حتى في تلك اللحظات التي كانا يداريان فيها قمع الروتين ويقدمان نفسيهما للآخرين كزوجين مثاليين إلى «أصدقائهما» وجيرانهما.
سيبقى طريق الأحلام إلى باريس وإن لم يكن «خطة» حقيقية، لكنه أمل عائم وإن كان عابرا، إلا أنه محاولة للتصدي على الأقل، ولا ينبغي أن نفلت الفكرة الجوهرية للروائي، بأن شخصا واحدا، ربما، سيتراجع عنده الحلم الأميركي لأن هناك أوروبا، أو بمعنى أدق: العودة إلى القمر، إمساك أوروبا من جديد، لقد انهار الحلم في ضواحي الأرض الجديدة.
نجاح شامل
كانت موسيقى المخضرم توماس نيومان بسيطة وغير ملحوظة، مستخدما نغمة خفيفة تعمل على مستوى اللاشعور الذي يزيد إحساس المستمع بأنه ضمن البيت، على عكس عمل الكاميرا الذي كان مدير التصوير يختار الزوايا بحذق، مقدما للسيناريو أكبر خدمة بتقديمه البيت كأنه سجن مصمم بشكل رائع، فأي توفيق زودته الكاميرا لخدمة الموضوع الرئيسي حينما تصور الجو الخانق للبيت حتى عندما يتنزه الناس في غابة أو في المشاهد الخارجية!
ومن نـ.عـَم السيناريو أنه تجرأ وطرح الأسئلة الفلسفية والأكثر قبولا، أن الممثلين كانوا خبراء في «مادة البحث». مثلا، ليس من السهل تصوير أو تمثيل شخص ممتلئ عاطفيا لكنه شحيح الإحساس، هنا الرفعة والعبء الإضافي على الممثل الذي لا ينقذه أحد سوى موهبته، عليك أن تكافئ الطرق التي أوصلتك إلى المأساة في نهاية الأمر وأنت «الخصمُ والحكمُ».
خيانات مندسة
العائلة التي تحمل كل شيء رتيب حتى في الخيانة الزوجية لفرانك مع سكرتيرة بسيطة الطموحات الغرامية مورين (زوي كازان) التي تعامل معها كهدية عيد ميلاده الثلاثين لنفسه، واندفاع أبريل لمعاشرة جيرانها المتواضع الهيئة في سيارة على طريق الآلام.
كأنها واحدة من حالات التخبط في الخطأ لا في ارتكابه، وهذه اللاشكلية هي التي تثير الاستياء، حتى عندما أعلن فرانك خيانته لزوجته، لم تتوقف عن تقشير البطاطا، واعتبرتها محاولة للالتفاف على قرارها بهجره بتصنع الغيرة، لكنهما في النهاية تركا الجمهور مستاء من رؤية محاولة الإصلاح باحتقار النفس والشريك في وقت تحتاج فيه الأحلام على ضبط النفس في واحدة من مراحل تكوينها.

المال لا يشتري ابتسامة ولا يجلب الحلول طالما المخارج تضيق


الاقتراب من الشخصيات

ان أهم شيء تحقق في الشريط تلك الإلفة التي حطمت المسافة بين المؤدين والجمهور (نختار منهم الخائبي الأمل) وكأن ميندس حوَّل السينما إلى مسرح تبدو فيه الأمور تسير بشكل جيد جدا دائما (كما في كل أفلامه)، وكان يحافظ على مسافة صغيرة من شخوصه، لا نعرف إن كان يعرف ذلك أو يريد أن يصبح قريبا جدا منهم، لكن شفقته واضحة حينما تفهم عيوبهم، وهذه ميزة مهمة في السينما، قدرتك على جذب الجمهور إلى الشباك عن طريق حكاية حزينة، تماما كما حصل مع «من يخاف فرجينيا وولف».
في الوقت نفسه أعطى المخرج الحرية لعناصر الـ cinematographers التي اعتنى بها روجر ديكنز (موجود في كل أعمال ميندس تقريبا) والذي لم يعثر على أفضل منه في تصوير مواضيعه الخانقة وشخوصه الذين يعانون دائما في الباطن، سجناء البيئة المحيطة ووساوسهم والمال الذي لا يمكن أن يشتري ابتسامة.
لا حلول وسطا
نعترف أن الشريط صعب المراقبة، لكونه مـُهيب وممل في آن واحد، لم يترك فيه جوستن هاوث أي شيء في الوسط، الصراخ فيه صراخ، والصمت صمت، والتكرار سواء في النزاعات اليومية متعمد ولم يطفر هكذا كملء فراغ ما، لا زركشة مصممة ودماء وينسلت ودي كابريو (نشير إلى الاختراق الذي أحدثه فيه أداء جاك نيكلسن في «خمس قطع سهلة»)، كانت تسير مع الألوان الحقيقية لكل لقطة صورت وقلقهما الدائم الذي لامسته الموسيقى بشكل مذهب، فهما لم يعدا الشابين في «تيتانك»، ولكون أحزان البالغين تختلف كثيرا عن حب الليلة الواحدة.
صادق أكثر من اللازم
ولا بد من التوقف عند شخصية مساعدة واحدة وهي ابن عائلة الجيران ميلي وشيب كامبيل (كاثرين هان وديفيد هاربر)، وهو جون (مايكل شانون) الذي خرج للتو من مصحة نفسية ليمنح دور راوي الحقيقة التي كان يقطرها خلال فترات تناول الطعام واللقاءات التي اختفى منها الودّ ما ان ظهر، لغاية انفجار فرانك وتعنيفه وطرد هذا «المجنون» من البيت، لكونه كان صادقا أكثر من اللزوم في قول الحقيقة، صدقه الذي لا يطاق.

الحقيقة التي ارتاح الجميع لإخفائها: المرأة العادية هي المرأة الجيدة


الفراغ المحطم
وكما لو كنا في المربع الأول للعلاقة حينما سألته: ما الذي تقوم به، يجيبها أعمل حمالا، لكنها كانت تقصد، ما الذي يثير اهتمامه، ذلك السؤال الذي لم يكن يعرف إجابة عنه.
الكثير من الناس في فراغ، ولكن عليهم أن يكونوا فيما هم فيه لكي يصلوا إلى اليأس. لكن في القرارات المصيرية لابد أن تطرح الأسئلة هكذا:
أن تعلم ما الذي لديك
أن تعلم ما الذي تحتاجه
أن تعلم ماذا يمكنك فعله
تلك السيطرة الخالصة.
انها معضلة الهروب من فراغ، لمدينة أرخص، أي حلول هذه؟ القرارات الكبيرة يصعب حسمها : ربما حقا الأمر يحاجة الى احتفال. العمل عشر ساعات في مهنة لا يحبها المرء، خيار يشبه المسؤولية، إن كان الأمر متعلقا بعائلة وسداد مصاريف وغيرها من معذبات الحياة، مادام الأطفال يتسربون هكذا، كل في يومه، فلا أحد يريد مواجهة الحقيقة، الجميع مرتاح لإخفائها: المرأة العادية هي المرأة الجيدة.
ويبدو أن لخطط الحياة دائما لمسات غير واقعية، وأن تضع جميع آمالك في وعد لم يتحقق، لا يمكنك التوقف عن رؤية المستقبل كالتلميح الممزوج بالمرح الساخر الذي أطلقه البوهيمي المستتر فرانك: «نحن نركض من الفراغ اليائس للحياة».
وماذا لو تجبر بين الخيارين: لا يمكنك البقاء.. لا يمكنك المغادرة!
وهكذا عندما تقرر ترك المنزل افعل ذلك برقيّ، لذلك لم يكن صعبا تفهم الأداء البالغ الصحة في منح نظرة الوداع من قبل وينسلت وهي تمضي نحو خيارها المحتوم.

08‏/04‏/2009

العاشق الآلي WALL.E

الحب الذي صار من اختصاص المكائن .. ومن أول اشعاع


قصيدة سينمائية أغرقتنا في مشاهد معدة بطريقة ذكية ومعقدة، مانحة ايانا الفرصة لمشاهدة المدن الكبرى وناطحات السحاب المحرومة من الحياة والبشر بعد 700 سنة من الآن، لا يوجد من يتجول فيها سوى إنسان آلي وصرصور، إيحاء مخيف يصور الأرض بلا ناس، مع أدلة كثيرة عن حياتهم الماضية.
هكذا تسير بنا الدقائق الأربعون الأولى بإبداع المخرج أندرو ستانتن الذي كتب السيناريو بمشاركة جيم ريردون بالاستناد على رواية ستانتن أيضا وبيت دوكتير ومدير التصوير جيرمي لاسكي وموسيقى المؤلف المخضرم توماس نيومان ومدير الإنتاج رالف إجيلستون بتوزيع والت ديزني وتصوير استوديوهات Pixar لأفلام الرسوم المتحركة، كل هؤلاء عملوا في الشريط الذي مدته ساعة و37 دقيقة والفائز بأوسكار أفضل فيلم رسوم متحركة من مجموع 8 جوائز رشح لها وأعلى إقبال في شباك التذاكر وحصل على نسبة 96% من مديح نقاد السينما في العالم.

قدم الشريط أجمل توبيخ لتناقضات اليوم وانتصارا للطبيعة ونقد للثقافة الاستهلاكية

بعد انقراض الحب
لا شك أن جميع المذكورين قامروا في تقديم «عاشق آلي» بعد انقراض الحب في القرون السبعة المقبلة التي سيلجأ فيها الإنسان الى العيش في كواكب افتراضية يخلقها من الفولاذ يسير فيها كل شيء إلكترونيا، حتى انه فقد قابلية المشي واكتفى بالاستلقاء على الحاضنة الآلية التي تسيـّر العالم من حوله ولا يفعل شيئا سوى الأكل والثرثرة، فبات بدينا ومدوّرا من البلادة، وكان لا بد لأحد ما من جيل الأرض القديم جدا، حتى لو كان آليا، يذكرهم بوجود ولو نبتة وحيدة تحتاج منهم العودة إلى الأرض لاستئناف الحب.
ان اختفاء الإنسانية، كان موضوعا مثيرا في السينما منذ بدايات افلام الخيال العلمي، وانشغل بها ستيفن سبيلبرغ وفرانسيز لورانس وويرنر هيرزوغ لا سيما في فيلمه الوثائقي «لقاءات في نهاية العالم»، الذي استمدت منه رواية الفيلم بعضا من أفكارها، لكنها تجتمع في مادة واحدة، تنحصر في أن الحضور الإنساني في الكوكب ليس أبديا.
الموسيقى وحدها خالدة
ولكن ماذا ستفعل لو بقيت وحيدا في الأرض؟ كيفية التكيف مع الأشياء، الأجهزة التي عمرها 700 سنة، لم نعرف لغاية انتهاء الفيلم من اين كانوا يحصلون على الطاقة لتشغيل أنفسهم وما حولهم. لا بأس، فالموسيقى وحدها الخالدة، ولكي يتغلب على هذه الوحدة الرهيبة أكثر ما كان يستهوي «ويللي» الاستماع اليها. يبحث في هذا العالم المتروك، تصادفه كل الحاجيات التي تركها مليارات البشر، قسم منها لا يفهم ما تعنيه لكن فضوله يقوده في النتيجة إلى نبتة وحيدة وبقعة ضوء حمراء تقوده الى مهبط مركبة زائرة لا تقل فضولا عنه لمعرفة ما الذي يجري في الأرض.
Pixar Wall-E Movie Trailer

الحقل المغناطيسي للحب
ردود فعله البشرية: الخوف الهروب الصراع من أجل البقاء التلصص الخشية التعارف ومن ثم الحب، «الروبوت» سيحب «الروبوتة» من أول اشعاع. الروبوتة كان واجبها استطلاع وتصوير الارض ولأنها حديثة، فكانت تتمتع بقدرات تكنولوجية أحدث كونها آخر موديل وليس كويللي الكهل جدا.
لم تنتبه الى وجوده في البداية، لكنها في لحظة تحرش الصرصور بها سددت عليه من اشعتها لونا من الرحمة وتركته يتنفس الصعداء. يبدأ التودد الذكري والاهتمام لغاية وقوعها في حقل مغناطيسي ليبدأ تعارفهما بأصوات الروبوتات: أنا ويللي.. وأنت؟ تجيبه: ايفا. والاجمل أنه يدعوها الى منزله، روبوت ذكري حقيقي! ما تبقى من ثقافة: الرقص.
ستتعرف على فنون البشر وبالطبع الموسيقى وحدها، يلعبون ويلهون ويسليها بألعاب الاطفال، وبالثقافة التي تقدمها الرقص.. أول شيء سيعلمها، ما تبقى من ثقافة الأرضيين. بعدها ستتعرف على النار باشعالها ولاعة، كشمعة تقارب النور المخفي في أسلاكهما، يقدم لها النبتة كهدية، لكنها ستتعطل في أول منحة انسانية.. يرفع لها المظلة ما ان يسقط المطر يرسم لها القلب تلو الآخر، ستعود المركبة لتصحبها من جديد، هناك لا وجود لأعذار تكنولوجية، كل شيء محسوب، يحاولون معرفة ما الذي دهى «حواء» التي بلعت النبتة وتوقفت عن الإشارة.
سيتسلق «العاشق الآلي» المركبة من أجلها لاحقا بها عبر «الاتموسفير» والنار وانعدام الدنيا التي تعود عليها، سيرى الفضاء مشبعا بالغرائب، سيطرق عليها نافذة المركبة ويهتف باسمها.. وفي خضم هذا الجو الرومانسي الساحر، لا بد أن يصدمون. استغراقك بهذا الجمال بالعلم الأميركي، كإثبات أنهم سيحكمون الفضاء بعد قرون، فكرة هوليوودية حمقاء تشبعت منها السينما المحترفة.
لا يضير، سيحلق بالحب ويتنهد في فضائه، حتى يخترق عالم المكائن الذين يتحكمون بالبشر السمان، لأنهم لا يؤدون شيئا سوى إصدار الأوامر للروبوتات الكثيرة التي تؤدي لهم لكل شيء حتى التفكير.هناك، حيث فقد الحب والارادة والرغبة والعطف سيظهر ويللي، وايفا حاملة تربة النبتة الوحيدة التي ما ان يلامسها انسان الفضاء يعتقدها نوعا من القمامة.

دروس الحب
سيبدأ ويللي في تلقيننا دروس الحب الواحد تلو الآخر، عانقها وقبلته وطارت النبتة وحدها، سيشع فرحا، قبلته اخيرا، كيف نسي البشر لمس أكف حبيباتهم، سيتعلمون الحب من المكائن المبرمجين، لكن النبتة ستقنعهم بالعودة الى بيتهم الارض ستدك الثقافة الأرضية معاييرهم وفي مقدمتها الرقص، الآن عرفوا ما الذي يعنيه كل هذا.
من يطالب بالعودة الى الارض فسيلقى في مزبلة الروبوتات، لكن تبرز خصلة أخرى لدى الآليين وهي الرحمة، سيصلح بعضهم الآخر ويجمعون بعض الانصار لمساندة قائد الكوكب الفولاذي الغريب الذي بدأ يتذكر «البيت»، اول مرة يقفون ويمشون، منذ قرون من الجلوس لم يتعلموا فيها حتى المشي.
بعد أحداث دراماتيكية، سيصلون الى الارض بانتظارهم الصرصور الذي يقدم درسا أرضيا آخر هو الوفاء، حيث يقودهم الى مخزن ويللي ليعيدوا تصليحه، وفي اشد حيرتها ادركت ايفا انه بحاجة الى قبلة الحياة: تشابك الكفين.
ما فائدة أن تكسب كل شيء وتخسر القلب !

تلك الأغاني الحلوة
لقد منحنا الشريط قصة حب بسيطة وجذابة في نقاوتها العاطفية وتمسكها بعنوان الرومانسية، فن الرقص والموسيقى، بالقصائد الغنائية شبه المنسية لجيريه هيرمان وتذكارات لويس آرمسترونغ، التي أعادتنا لتبجيل الكنوز الموسيقية للقرن العشرين. يعلمنا النص، أننا لن ننقرض مهما كانت العواصف، مهما كنا ثملين بالاستهلاك، قد تبعث فينا الروح بعوضة أو صرصور أو مكنة آلية.
يتحرك الفيلم بمهارة مقدما كوميديا رومانسية راقية متوقفا عند أدق التفاصيل: المدرسة القديمة للحياة، الصرير والقعقعة والزقزقة، المسامير والصدأ والغبار الذي علا الحضارة، اللامبالاة والإحساس المفقود والفصاحة الضائعة.
REAL Wall-E in DisneyLand

انتصارا للطبيعة
ليست الأجواء النظيفة في الكوكب الفضائي الفولاذي دليلا على النقاوة، ليست الصرامة الإلكترونية تنتج مواضيع الحياة، ان السيناريو قدم أجمل توبيخ لتناقضات اليوم وانتصارا للطبيعة ونقدا للثقافة الاستهلاكية والشركات الدؤوبة لتحويلنا إلى آليين تتحول فيه أجيالنا القادمة الى وجوه مدورة من الغباء وأطراف ضعيفة وقصيرة من قلة العمل والراحة، الكراسي الآلية هي التي تحركهم وتثبتهم على شاشات الفيديو ويأخذون سعراتهم الحرارية من كؤوس لا طعم فيها، وكم سيكونون وحيدين بلا موسيقى.
ان الشريط يندد بإنسان الزمن الغابر (الراهن في حقيقة الأمر) في أنه حوّل الأرض الجميلة إلى مخزن كبير للنفايات ولم يجد له حلا سوى إدمان الراحة والكسل وترك الأمور على عواهن المكائن المتخصصة، لقد كسبوا كل شيء وخسروا القلب.

01‏/04‏/2009

Nixon/ Frost



لافت للانتباه، الإقبال الجماهيري المحلي لشريط لا يحمل حتى تعريفه أي بوادر «ترفيهية» وكان يعاني من تحدٍّ تسويقي منذ عرضه الأول في مهرجان لندن في ديسمبر ونزوله إلى صالات السينما العامة في يناير، ومستند الى نص مسرحي فطن كتب السيناريو السينمائي له بيتر مورغان الذي تعرف عليه الجمهور من قبل في أفلام «الملكة» (إليزابيث الثانية) و«الصفقة» و«الملك الأخير لاسكوتلندا»، أخرجه رون هاوراد الذي يعتمد أساسا على المقابلة التلفزيونية التاريخية التي جرت عام 1977 التي اعترف فيها ريتشارد نيكسون بأنه كان مذنبا في الفضيحة الأكثر شهرة «ووترغيت» 1974.
ولعل استحواذ الشريط على أهم ثلاثة ترشيحات للأوسكار ( أفضل: فيلم- إخراج – ممثل رئيسي) يعفينا من المقارنة بينه وآخر فيلم عن رئيس أميركي ونقصد {W} الذي تناولناه هنا في وقت سابق.
لانغيلا النادر
كما أن أداء فرانك لانغيلا - الذي لم تذهب إليه الجائزة – ركز على إبراز جوانب التضحية والنواقص والندم على أخطاء لا ينبغي ارتكابها والشعور بالخزي أعقاب الاستقالة، كيفية التحكم بالصوت .. متى يكون ضعيفا والوجه شاحبا، حتى التكلف في التمثيل هو تمثيل أيضا، وكانت أهم ميزة لدى لانغيلا قدرته الكافية على إدماج العديد من مظاهر الأداء، ولكي يظهر لنا عدوانيته في قمة عقدة النقص والخراب الروحي الذي يعاني منه وهذه تحتاج لوحدها إلى أستاذ تمثيل من طراز نادر.
لقد كان الأداء الفائق لفرانك لانغيلا يزحف تحت جلد المشاهد ليقفز إلى قلبه متساميا على إخفاق جوش برولين في «دبليو بوش» وعلى خلاف أنتوني هوبكنز الذي مثل سابقا نيكسون بالأسلوب الشكسبيري الفخم الذي جسده كتمثال تسقط منه الدموع.



Frost/Nixon - Official Theatrical Trailer
مورغان الفريد
أما بيتر مورغان، فقد قطع شوطا جادا في كتابة سيناريوهات المشاهير في التاريخ، ويبدو أنه يمسك بثبات هذه المواضيع في السينما المعاصرة وكان عليه فهم ديفيد فروست (مايكل شين) الذي عرض مقابلة نيكسون باربعة أجزاء وكيفية توظيف هذا المقدم التلفزيوني الهزلي المعروف بمداعباته للنجوم وصانع شهير للإمتاع في مواجهة شخصية ذات وزن ثقيل سياسيا. وكما هي الحال في فيلم «الملكة»، لابد أن يملك كاتب السيناريو سلطة مبنية على المعرفة، والأخيرة ملمة جيدا بالأحداث وتجلياتها المهمة وانعكاساتها المثيرة، ولا يضير إن كان فروست جريئا وانتهازيا يضع ماله الخاص ليبقي على مشروعه حيا في كل الشبكات الرئيسية، حيث أغلب المعلنين ابتعدوا عن دفاتر شيكاتهم ليتوسط توبي جونز ( لازار سوفتي) في الصفقة لكي يحصل على 600 الف دولار لينفذ المقابلة الملحمية بكادر بريطاني والتي سيطر فيها نيكسون (وهو الذي يحاول تأهيل نفسه) بشكل سهل وتقريبا استطاع أن يدير مقعد فروست اكثر من مرة، في أشد لحظات استماتته بالتمسك ببعض الذرائع المبنية على معارف عامة في علم النفس وتقنيات علم السلطة وأسئلة المعدين المذلـّة.


Director



هاوارد الجاف
لأي نص مسرحي، لابد أن يكون مكافئ سينمائي في المقابل، ولا يمكن نقل المسرح إلى السينما بالحيل ذاتها، فالملل في المسرح، هو جفاف في السينما، والشخص الواحد على الخشبة، يمكن شطره إلى أشخاص في الشريط، كذلك ملمس الفيلم الروائي يختلف عن الوثائقي الذي يكفيه نصف ممثل، وإذا كان اسلوب التحرير في الوثائقي متوقع دائما، فإن ضربات الروائي المفاجئة هي الداعم الرئيسي لما يسمونه «الإيقاع» الذي يتحرك مع الشخصيات التي تجعل السيناريو ناطقا. التركيز على هذه العناصر كانت المهمة الأساسية لرون هاوارد، الموضوع أمامه سيناريو محترف إلى حد بعيد، غير أنه فضل أصعب الحلول: جفاف الشريط. ومع ذلك، فإن انسحاب السيد هاوارد إلى الظلال فهمناه كتناوب للكوابيس، وكحرفيّ ممعن في موهبته ومؤهل لتنفيذ أفكاره ويميل إلى تعتيم الإنارة في أفلامه حتى في المواقف المبهجة (مهارته تجلت في «أي عقل جميل»). نشير إلى أن رون هاورد تعامل مع رواية متشابكة الأحداث والأزمنة عام 2006 هي «شيفرة دافنشي» وقدم مؤخرا شريطه الأخير «أنغيلز وديمونس» واشتهر في فيلم «أي عقل جميل» و«رجل سندريلا»، وكان قد بدأ مشواره السينمائي بثلاثة أفلام دفعة واحدة عام 1969.

لماذا كان على رجل واحد دفع ثمن اثبات الأمة ذاتها في "الأمل" ؟

مايكل المقنع
وكما في «الصفقة» و«الملكة» ( لعب دور توني بلير) يبرع مايكل شين في «فروست»: رجل في عدة أشكال، يعتني بنفسه اجتماعيا، يكمل المسار مع المنتج البريطاني جون بيرت (ماثيو ماكفادون) يلتقي بكارولين كوشنغ (ريبيسا هول) في الغرفة 747 (لعل الرقم لغز آخر كإشارة لاستقالة أغسطس 1974) في طريقه إلى كاليفورنيا لمقابلة نيكسون للمرة الأولى، حاملا موهبة المهذار الذي يخلط بدهاء العمل بالبهجة للجميع، ولا نستبعد احتياجه لتجسيد هذا الدور للحواجب المقوسة والشفاه المزمومة من حين الى آخر التي عرف في تصنعها جاك نيكلسون. أما نيكسون الوحيد في فيلته الساحلية في سان كليمنت ( صور الفيلم فعلا في بيت الرئيس الأميركي الأسبق) بالاعتماد على الضابط السابق في المارينز العقيد جاك برينان (كيفين بيكون)، بينما الزوجة بات نيكسون (باتي مكورماك) يمنحونها بعض التمهيدات التي لم يتسن لها بعض المهارة وكأنها كانت المسؤولة عن التفاصيل خلف الكواليس.

الماكران الكبيران
لا يكون التسجيل في مسكن نيكسون الخاص، بل في بيت قريب أكثر بساطة، ويستخدم الرئيس عدة أساليب مع فروست خلال الجلسات الثلاث الأولى بسرده قصصا طويلة (لتعزيز قوامه الرئاسي على الأرجح) ويحيد عن الطريق الذي يريد محدثه وضعه عليه فورا. إن «مقتطفات المقابلة» اختيرت ونظمت بشكل ممتاز من قبل بيتر مورغان، وخاصة تلك المحادثات العرضية والخفية ( كمحاولة فروست إمساك نيكسون حول حياته الجنسية الخاصة استنادا الى قصة حقيقية لعلاقة غير شرعية يواصل عليها نهاية كل أسبوع) والتي كان الرئيس يبدع في إظهار عدم غفلته في أن يكون مضيفا مرموقا وفي الوقت نفسه إلقاء ما يمكن إلقاؤه في «سلة مهملات» اللقاء وإعلانه تأهبه كلما ظن فروست أنه أتعبه بالأسئلة، والمثير أن حتى نيكسون نفسه، استغرب من استسلام فروست لمكره البسيط، حتى في إبقائه لمنديل في متناول يده لتنشيف وجهه المتعرق.هذه روعة لانغيلا التي جعلت أغلب المشاهدين - في ظننا – ينسون الممثل ويسلمون أنفسهم إلى نيكسون الرئيس الذي ظهر كرجل واحد يواجه القهر الذي فرضه عليه الجميع، تتقدمهم الأمة التي كانت تبحث عن ذاتها منذ أمد بعيد في «الأمل»، وقررت أن يدفع رجلا واحدا ثمن هذا الانتظار الطويل.

إغراء الإنتاج
إن مدير الإنتاج مايكل كورينبلث صرف 70 مليون دولار ليصعـّد المخيلة بطاقم الموظفين الذي اشرف عليهم مديرو المجاميع لوري كامبيل وتشاد فراي والخلفية الموسيقية التي كتبها هانز زيمير وجدية الملابس التي صممها دانيال أورلاندي والنشاط الإضافي لترطيب جفاف الشريط الذي قام به فريق التصوير: كلير مونت وتوتينو سلفاتور، ولا يخفى أن هذه العناصر كانت الأكثر اهتماما من الإنتاج الذي كان يقلقه جذب أكبر عدد من المشاهدين لفيلم طوله 122 دقيقة منتزعة من 30 ساعة، هي ما تبقت من التاريخ المزعج وشبه المنسي للرئيس نيكسون. كما ساعد الفيلم فريق الممثلين المساندين مع كيفين بيكون كرئيس هيئة أركان نيكسون الذي بدا كأنه يرتدي البدلة نفسها في كل أفلامه الأخيرة وجاك برينان وأوليفر بلات وسام روكويل كمحققين لفروست وباتي مكورماك التي عرفت في شريط «البذرة السيئة».

الفن والتلفيق
ومورغان وجد نفسه أمام سلسلة أفلام تناولت نيكسون وركزت على الأزمة الدستورية والأحداث السياسية والاستخبارية التي رافقت الفضيحة والأوراق التي لا تحصى لمؤرخ ووترغيت جيمس ريستون التي لم تعط أهمية للتفاصيل القصصية، هذه المحاذير رفعت السيناريو إلى مستوى فني عالٍ وقدرة محترفة في عملية الاختزال السينمائي الذي سحب المتفرجين، حتى غير الراغبين منهم لمعرفة ذلك التاريخ، ليواجه الانطباع السائد في «الأفلام الخفيفة» التي تظهر أن كل السياسيين يكذبون وأن العسكريين جزارون ومدراء المكاتب ساديون ورجال المخابرات المركزية يرصدون حركة كل ظل ، بينما المشاهد يستمتع كل مرة بحبكة ملفقة. هذه المرة لم يجر الأمر على هذا النحو، نيكسون قد يكون كسر إيمان أميركا بنفسها، تمت المبالغة في مواجهة صدمة ووترغيت وحرب فيتنام الذي وعد نيكسون بإنهائها لكن وجد نفسه في كمبوديا بدلا منها، وهنا تكمن عظمة الفن، لكونه غير متخصص في التهكم على التاريخ والأمم والشخوص، ولأن مهمته الأساسية حقل الأرض وإبراز ما تحتها، تلك التفاصيل المهملة دون الاعتماد على أدوات الحبكة الرخيصة، وهكذا فإن الجدية هي التي تبقي الفن إلى يومنا هذا ثابتا ومتحركا ومتقدما ومتفوقا.
روعة لانغيلا أنست الممثل وسلمت المشاهدين للرئيس

الفن الرحيم
أراد فروست إعادة محكمة «السيد الرئيس» السابع والثلاثون ونقلها إلى التلفزيون، لكن لنيكسون وزن ثقيل وطبع مراوغ، يستطيع الشارع تحريكه، وليس المقابلة. والغريب كان إصرار فروست على الاستخفاف بمحدثه وكأنه يحدث زعيم مافيا متقاعد، وكم تمنينا في بعض محاور اللقاء لو لم يكن ذلك حقيقيا، وهل من الضروري أن تكون خيانة نيكسون للمرأة الواحدة، ذنوب أخرى تسافر معه ليصبح العدو ضمن كل رجل. لا داعٍ لإظهاره كيهوذا أو السيدة مكبث، لا يعني أن طريقه لم يكن نظيفا جدا، أن يكون حظه التاريخي ساخرا جدا، في المقابل تسلم الشعب الأميركي الهدية باعتذاره، وأن يقول رجل آسف هل خان تراثه، هل أصبح رمزا للازدواجية النهائية، هل كان ينتظر في لحظات الأسف» من يفتح له قلبه ويغفر له؟ أي راهب بعث فروست لكي يؤكد الذنوب في كمبوديا والنوايا السيئة لفريق المحققين التلفزيونيين الذين لم يبالوا بالغفران للرجل الذي «حطم بلدهم»، وعليه من الذي سيجيب «أسف نيكسون» بـ«شكرا»؟ لقد عملتها السينما وأخذت على عاتقها تقديم هذا «الشكر» بطريقة مثقفة وجعله حقيقيا بتوظيف عاطفي اشتغل سرا داخل القصة ولكون نيكسون كان إنسانا وينبغي إخراجه من السنـّارة وهذا ما كان يتمناه لغاية يومه الأخير عام 1994 ، ليتسنى للفن بعد 14 سنة من موته، مسح الغبار عن التيجان الساقطة، كما هو دائما منذ «الأوديسة» ولغاية «الملك لير».