31‏/07‏/2008

الجنة الآن Paradise Now


قصة مثيرة وجريئة يغرزها المخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد تحت جلد مشاهدي فيلمه الروائي الطويل الأول 'الجنة الآن' المرشح لأوسكار 2006 كأفضل فيلم أجنبي والفائز بجائزة مهرجان برلين وجائزة 'غولدن غلوب' وجوائز أخرى عديدة كلها خارج العالم العربي، مع أنه عرض في مهرجانين عربيين للسينما في القاهرة ودبي. يلتهب الشريط بعلم النفس والسياسة مركزا على الجانب الآخر للعمليات الانتحارية ويستمر اشتعاله حتى الثواني الأخيرة الغامضة وفضل أبو سعد الذي كتب السيناريو بمشاركة بيرو باييرد تحميل المشاهد أكبر قدر ممكن من الترقب وتدهور الأنفاس ولم تعقه التدخلات الجانبية لحوارات سياسية فطنة ابتعدت عن القوالب الجاهزة لنظرية المؤامرة وأشبع الكثير من الأجزاء بشحن عاطفية محسوبة حتى في تلك اللقطات التي تعكس لقاءات عادية في الأسواق والمطاعم ونقاط التفتيش ومواقف الحافلات والنظرات الحادة المليئة بالشك والعداوة بين الفلسطينيين والإسرائيليين مازجا المناخ السياسي المتفجر في المنطقة بطريقة سينمائية غير معقدة حتى في تناولها مسألة هدر الدماء والموت الذاتي وتصديره للآخر من قبل شابين فلسطينيين يعملان في ورشة لتصليح السيارات في نابلس لهما كل الطباع الإنسانية العادية، في الوقت ذاته يحملان الشكوك والتخوف في تنفيذ مهمة انتحارية وضعت في طريقهما بعد تعرفهما على قائد إحدى المنظمات الفلسطينية المهتمة بتنفيذ هذا النوع من العمليات من دون تمهيد درامي معقول، فالشابان مؤمنان بقضيتهما ولكن ليس إلى حد الموت، كما أن إيمانهم الديني كان ينقصه الالتزام بالصلوات المنتظمة.
الجاني والضحية
هكذا انشغل الفيلم بتفاصيل سعيد وتحضيرات خالد (الفنانان الفلسطينيان قيس ناشف وعلي سليمان) المتضمنة حلاقة الشعر وربط الحزام الناسف وإعداد بدلة مناسبة لتمثيل حضورهم إلى حفل زفاف وتسجيل البيانات النهائية للعملية الفدائية على الفيديو وقراءة خطبة صغيرة توقفها تعطل الكاميرا وحوله كان رفاقه يتناولون الطعام بهدوء. يركز الفيلم أكثر على سعيد المولود في مخيم للاجئين أعدم أبيه بتهمة التعاون مع إسرائيل عندما كان عمره 10 سنوات ولا يبخل السيناريو في الدق على الارتباك بين الجاني والضحية وتبديل أدوراهما من حين إلى آخر لاسيما عندما يبدأ الحديث عن 'المساواة في الموت' كحل وحيد للظلم.
توازن صعب
يوفق السيناريو في الإمساك بالتوازن الصعب بين السياسة والفن، فالقصة تجري في سياق سياسي لكن لم يعطلها النقاش والخلفية التاريخية المرهقة وقدم وجهة نظر فلسطينية بديلة قوية للغاية في شخص سهى (الفنانة المغربية لبنى الزبال) التي طارت بينها وبين سعيد شرارات رومانسية لم يطفئها اعتراضها على العمليات الانتحارية التي اعتبرتها نمطا مأساويا للانتقام الذي سينجب انتقاما يمعن أكثر في اضطهاد الفلسطينيين، وينجح الفيلم في تثبيتها كسلك معلومات أساسية يحمل الكثير من الجوانب الأخلاقية والعاطفية.ان الفيلم يقدم اقتراحات خطيرة للمشاهد الغربي خاصة المؤسس على دعاية مضللة فصورة الإرهابي عنده سوداء وشريرة وهنا انحصرت مهمة أبو أسعد الرئيسية في إزالة الأفكار المسبقة وتشويه السمعة المتأصل وتحقيق نجاح فني وتجاري لفيلمه المنتج من قبل ممولين هولنديين وألمان. أنه يركز على الآلام الكبيرة التي تقود الإنسان لتفضيل الموت على الحياة مختارا رجلين عاديين راغبين بالتضحية بحياتهما كمعادل لرفع الظلم وبذلك كسب الفيلم فوائد تكتيكية فكرية وسياسية.


لمن الجنة؟
لم يقصد السيناريو تلك الفكرة السريعة في أن الانتحاريين يحصلون على تذكرة فورية للجنة حال تفجيرهم أنفسهم حسب معتقدات الجماعات التي تؤمن بهذا الحل، لكنه يوضح أسبابا دقيقة لقيام خالد وسعيد لإنجاز هذه المهمة، أرادا إثبات المساواة في الحياة والاضطهاد والموت هو المعادل العظيم لشبح والده الذي يطارده. وهناك من وراء الخطة جمال (عامر هليهل) وصوت الضمير سهى التي تتألق في الثلث الأخير من الفيلم بعد أن أبدع المخرج في تطوير شخصياته وولد الترقب الكافي وصولا إلى النهاية المثيرة. فيلم قاس للغاية ومن أندر الأفلام الموضوعية التي تناولت الصراع العربي ـ الإسرائيلي وأنجز هدفه بجدارة، لكن ذلك لا يعني أنه ناجح تماما كمخاطرة سينمائية تقدم ملحدا متيقنا من فنائه بعد سحب زناد الحزام الناسف، وكأن السيناريو أراد إبعاد الدين عن هذا الصراع، مدركا أن دخول الدين إلى الصورة سيغطي على معنى الفعل، وخالد ناكر الذات ويضحي وهو مؤمن بأنه لن يكافأ فورا بالخلود في الجنة، وعدم إيمانه واضح من الحوار بينه وبين قائد العملية الذي يحرضهم عليها: - ماذا سيحدث بعدئذ؟ - سيلتقطك ملاكان. - هل أنت متأكد؟ إنه أول انتحاري يشك في جوهر المسألة وهذا أخطر عنصر يقدمه الفيلم ولأول مرة حتى في الآداب المعاصرة، فالمخرج فلسطيني مولود في إسرائيل مولته أوروبا ووزعت فيلمه شركة وارنر الهوليوودية المعروفة وهو بذلك منساق نحو حتمية الحياد بالشفقة وجلب الانتباه لأولئك البشر البسيطين الذين يرسلونهم إلى الموت من دون أن يتجرأ أي منهم ويذهب بنفسه، إنها قصة إنسان لا يؤمن بالجنة، لكنه يظفر موته ويراقبه حتى يجيء.
مرح مظلم
ان أبو سعد امتلك كل عناصر السينما التي تشد انتباه المشاهد، وعلى الرغم من الحزن الفظيع الذي تحمله اللحظات، إلا أنه يطعمها بمرح مظلم كتعطل الكاميرا خلال تلاوة الوصية والطريقة التي يمضغ فيها من قادهم إلى الموت طعامه ونظراته خلال إعلانهم الموت من أجل الحرية. كما أن علاج المشاهد الرومانسية جاء بحساسية خالية من الموسيقى ومع ذلك كانت تسمع بأداء الممثلين الرائع وكيفية غرق الحقيقة القاسية ببطء خلال زيارة خالد الأخيرة إلى بيت صديقته سهى في الليل والخطوط الحادة بين الجاني والضحية، الشجاعة والشك، التضحية والثأر، حافز الموت المجتر من الماضي المؤلم والعجز الموجع لتقبل حياة مريرة واللغة القوية التي تصهر الاضطراب النفسي والكلفة الإنسانية الشاقة لهذه الحرب لكلا الجانبين، كلها عناصر حافظ عليها الشريط بثبات ليقدم منظورا مختلفا عن النزاع.


جدال وعنف
ان طاقة الفيلم الكبيرة امتدت إلى كل المعنيين، فلم يخرج من دون تضحيات، فقد تم اختطاف مدير التصوير وحدث انفجار في موقع التصوير أدى إلى وفاة بعض المارة وتحمل الفريق والطاقم العديد من الهجمات العسكرية والمشاكسات وسوء الفهم من الإسرائيليين والفلسطينيين على السواء. لكن الفريق صمد أمام التعصب وكان التزامه راسخا بقضيته الفنية وبالمعادلة التي أراد تقديمها: لا آمن لكم طالما لا شيء لنا!
إنجاز مدهش
جرأة أبو أسعد أنه صور الأبطال الذين أسيء فهمهم وتجاسر في إدخالهم إلى عقول الغربيين بعد أن دخل إلى عقولهم أولا وكأنه يقول إن الأشخاص الذين يقومون بالأعمال الانتحارية لا يختلفون عن أي واحد منا وهذه واحدة من رفعة الفيلم التي جعلته مثيرا ونال إعجاب أعدائه بصورته المتوازنة. وبالتأكيد فإن الفيلم يعتبر إنجازا مدهشا من وجهة نظر محافظته على العدل والموضوعية وتقديمه أفكارا مختلفة وغير سائدة خارجة عن الدارج والمألوف. وإدهاشه أنه يجيب عن الأسئلة التي يطرحها والمخاوف التي تحرك ميلودراما العالم السينمائي ليس بالطريقة التي يتوقعها كل من شاهده بطريقة مستفزة، محزنة وقوية، وحصل الشريط قوته من نزاهته وتصميمه الشديد على التوضيح بدلا من التبرير والإدانة ووضع الوجع الإنسان وأفعاله الغامضة. وهكذا يكسب الفيلم رصانته من التزامه بالهدوء في معالجة قضية ضاجة ويولد الألفة بين المشاهد الغربي وأناس طالما كرههم ومن هذا الجانب لم تكن مهمته سهلة لهذا فيه شغل بارع جعله يخترق مسامات الآخر.
فوضى صافية
لقد حول 'الجنة الآن' بمهارة عناوين بارزة نقرأها يوميا في الصحف إلى قصة الأناس اللطيفين والأبرياء والكادحين والمطعونين والمظلومين والتائهين الرافضين للإذلال كما يقول خالد عندما لا تفرق لديه قيمة الحياة والموت: 'نحن تحت الاحتلال موتى' و:'حياة من دون كرامة عديمة القيمة' فيما تصر سهى على المبدأ: هناك طرق أخرى لإبقاء القضية حية'، لكنه في النهاية يرى بأنه 'لو كانت الحياة جحيما فإن فكرة الجنة ستكون كافية' و'مادام هناك ظلم لابد أن تكون هناك تضحية' و'أنا أفضل أن آخذ الجنة في قلبي عن العيش في هذا الجحيم'.

30‏/07‏/2008

بهمن قوبادي يدخل كل قرية كردية


Profile - Bahman Ghobadi

'نصف القمر' هو أول فيلم كردي يعرض في العراق، افتتح عرضه في السليمانية وأربيل ويتوقع أن يعرض في بغداد وهو ما أسعد مخرجه بهمن قوبادي الذي يعتبر صوت الكرد السينمائي الطامح إلى وصول أفلامه إلى كل قرية كردية، ونظرا إلى عدم وجود صالات سينما هناك ولا مسارح سيعتمد على منظومة الفيديو النقال لعرض أفلامه في الأماكن الكردية العامة.


نصف القمر Half Moon ( شاهد )

يوظف قوبادي بطريقة فذة مقطوعة موزارت 'قداس جنائزي' ليقدم موتزارت الكردي الذي يحاول العودة إلى وطنه بمناسبة سقوط نظام صدام ليحتفل في قريته القديمة فيحطم حرس الحدود آلاته الموسيقية، غير أن الموسيقار العجوز يموت ويحرك جثته بموسيقاه 'لقد عادت إليه الحياة بعد سماعه الغناء العذب' لكن الطبيب يؤكد موت الموسيقار العجوز.يقدم قوبادي في هذا الشريط رحلة مدهشة بالغة العذوبة عبر المناظر الطبيعية الوعرة والمخيفة في كردستان الإيرانية ويقتنص الصور الساحرة وكأنه يريد القول بأن المكان جميل، لكن من المستحيل العيش فيه وكذلك المطاردات والمصير المأساوي والكوميديا من أناس عاطفيين لحد الهذيان حيث يمثل القمر لدى قوبادي الجانب الأكثر مأساوية وكإحساس بقبول المصير. ليس غريبا أن يفتتح مهرجان فيينا في الذكرى ال 250 لموزارت في هذا الشريط وأن يحصد العديد من الجوائز العالمية باستخدام موسيقى موزارت كإلهام للموسيقار الكردي مامو (إسماعيل غفاري) الذي يجسد روح موزارت منتظرا سبعة أشهر للحصول على رخصة أداء حفلة موسيقية في كردستان العراق التي لم يشاهدها لمدة 35 سنة حيث عزف فيها آخر مرة. ولأن حفلته بحاجة إلى امرأة مغنية وهذا الأمر ممنوع في إيران لذا عليه أن يهرب هيشو (هداية طهراني) عبر نقاط التفتيش وحرس الحدود الخشنين محاولا المرور بحلمه في حافلة مدرسية كل خطوة تمر عبر عقبات لا تحصى. سيطلق النار على الحافلة وستتحطم الآلات الموسيقية وسيموت صديق مامو القديم قبل أن يصل إلى قريته بساعات وهنا لا يهم الاهتمام بالشروط الواقعية للسينما حيث يستنفد كل أمل وتهيم الموسيقى الكردية طبيعيا في الأنحاء المختلفة موزعة بعدل على الناس السيئي الحظ. ان سيناريو الفيلم يعتمد على سيناريوهات أفلام قوبادي السابقة، ثرية في الموسيقى، لكنها أقل تعلقا بالجغرافيا الكردية كأفلامه السابقة، وبدلا من أن يتحدث عن التعب المذل الذي يعانيه الأطفال العاملين عند الحدود والوضع الصحي المتردي وضحايا الحرب، يقدم في 'نصف القمر' قصة حب تعد خيالية في زماننا، قصة في مديح الموسيقى.. مديح الحب في غضون مناصفة الأسلوب الشاعري والعلاقات المتعددة: الموسيقى، المرأة، الملاك، السماء والموت هذه العناصر التي أعطت السمة الروحية للفيلم الذي يقدم القمر كاستعارة للجمال، لكنه لا يتعامل معه كما فعل في 'زمن الخيول السكرانة' حين جعله يطير دون أن يترك انطباعا عاطفيا عاليا، بل جعله يسكن في أعماق الأشخاص الخائبي الأمل وهم يتوسلون للطبيب أن يخبرهم بأن صديقهم حي في وقت كان فيه الجنود يحطمون آلاته الموسيقية



زمن الخيول السكرانة A Time for Drunken Horses ( شاهد )

أنه فيلم رائع ومظلة روحية ـ عاطفية مشتعلة من الصعب تصوير مثيل لها، يدور حول مجموعة من الأطفال الكرد يعيشون أقل مستوى من الفقراء بكثير عند الحدود العراقية ـ الإيرانية يحاولون الحصول على شاحنة تقلهم إلى العراق للعمل هناك في السوق أو كمهربين صغار، ينقلون الإطارات الثقيلة تحت الثلج والبرد اللئيم وتحت شروط فظيعة للعمل. ينسج قوبادي هنا صور الكوميديا السوداء الفائقة الذكاء حاملة السخرية والألم الطبيعي والوفاء وبنظرة ثاقبة تصل إلى المستوى الرائع لأشرطة السينما الإيرانية التي تناولت قضية مشابهة 'ستحملنا الريح' للمخرج الإيراني عباس كيروستامي و'سبورات سميرة' للمخرج الشهير مخملباف و'أطفال السماء' لماجد ماجدي الذين تناولوا قضية الأطفال المسحوقين ووطأة العمل الصعب.


الخرافة والمراوغة ( شاهد )

غير أن قوبادي تعامل مع الأطفال في هذا الفيلم مستغلا الخرافة والمراوغة في طرح أفكاره محركا الأطفال بطريقة مبدعة تلاعب فيها أكثر مما كانت تجري عليه الحال في السينما الإيرانية، فآباؤهم الموتى ووساختهم الطبيعية التي لا توصف والإرهاق الموجع الذي ينال منهم كان بسبب الحصول على مال يكفي لإجراء عملية لشقيقهم المعوق 'مادي' الذي عليه أخذ حقنة يومية، فيضطرون إلى حمله في سلة على ظهر بغل في مشاهد فيها من الأسى المرير ما يكفي والقبول الصامت للوجع المتأصل في قلوبهم والدموع القاسية التي عكسها قوبادي كل ثانية لغاية النهاية التي ترتطم فيها الأحداث السياسية مع عالم صغير شديد التآكل، حيث يتم إطلاق النار على خيولهم السكرانة في تصوير سريالي يقترب من الوقائع الحربية التي قدر على الأطفال المرور في عمق رذالتها بلغة سينمائية عنيفة الجمال واضحة بصلابة دافقة وكريمة البذل تحمل المشاهد بلا أدنى شفقة لأن تجعله في هذا النوع من الأفلام الواقعية يدرك كم هي الحرب منحطة ليست لكونها بائسة وتتحكم في مصائرنا فحسب، بل في أننا نختارها كواحدة من الحلول لأنفسنا. نوع الحزنإن إبداع قوبادي في هذا الشريط وغيره ينحصر في تقسيمه للحزن لأنواع وكفكرة لكل شخص يعانيه حتى في الأوقات الطيبة النادرة، وإدهاشه أنه لا يسقط المشاهد في ميلودراما مباشرة، كما لو كان يتحدث عن أناس يعيشون الفاقة ولديهم ولد يعاني من مرض عضال كما عودتنا السينما حتى الهوليودية منها، إنه يضيف إلى الحزن عناصر أخرى: الطمع والأنانية والوحشية والمناخ القاسي والطبيعة القاحلة والكمائن والألغام الأرضية وبذلك يملك زمام كل المكونات الملحمية متفاديا الفخاخ التي يمكن أن تسقطه فيه مادته المكتوبة ويقدم فيلما لا صراخ فيه، غير أنه يؤجل بكاء المشاهد إلى حين يستقر فيه القلق الدائم.



الملمس الوثائقي ( شاهد )

تشتق قوة أفلام قوبادي من أنها ذات ملمس وثائقي، لكنها ليست على هذا النحو واعتمادها على ممثلين هواة، فخورين ومقتنعين بالدور الذي يؤدونه في السينما ويحقق بذلك ـ من وجهة النظر هذه ـ الرسالة بأن ما يراه المشاهد حقيقة، وهذا أعظم مبدأ في السينما. أنه يقدم الناس الذين نراهم في التلفزيون عندما يكون هناك حرب ويظهرون في نشرات الأخبار كإحصائيات أو صور متفرقة في غضون تغطيات صحافية خلال تقديم المنظمات الإنسانية المساعدات للقرى الكردية النائية، هؤلاء الناس الذين يتسلى بهم أطفال مثلهم في العالم عبر البلاي ستيشن.

السلاحف يمكنها الطيران Turtles can Fly (شاهد)

يصور هذا الفيلم مخيم لاجئين كرد على الحدود العراقية ـ التركية فيه الكثير من السياسة والحرب، وكعادته لا يعتمد قوبادي على ممثلين محترفين، فصوره القوية تتكلم بقوة عاكسة القمع الإنساني في ذلك الجزء المنسي من العالم حيث يتحدث إلى الشرطة التركية حينما يجهزون عليه: أنا لا أعرف سوى كلمة تركية واحدة: أحبك! مع ذلك رفسوه وضربوه وأخذوا آلاته وذبحوا ديكه لأن فيه انفلونزا الطيور ورغم ذلك أكلوه أمام عينيه.شريط فائض المعلومات لمن لا يعرف 'القضية الكردية' ومقدم للغرب على الأرجح، فحوادثه البسيطة مرتبطة بالكوارث الواسعة النطاق التي تعرض لها الشعب الكردي، كأنه رسالة إلى العالم يعرض فيها ما آلت إليه أوضاع الكرد وكم يقف العالم عقيما في معالجتها، وهو من وجهة النظر الفنية يقدم المعلومات أكثر من اللازم في شريط سينمائي غير مجدول للعرض مع نشرات الأخبار. ورغم ذلك فيه حمل زائد صوت وصورة للحقائق التي يريد قوبادي من العالم أن يمتصها ظاهرا كنصير لقضية شعب وكقمر صناعي ينقل للعالم الآخر ما يحصل من وجع كردي. الكثير من اللاجئين المعدمين عند الحدود العراقية ـ التركية قبل بداية حرب إسقاط النظام العراقي يحاولون معرفة ما يجري فيستبدلون الألغام الأرضية بصحون القنوات الفضائية لكي تسمح لهم المعلومات بالبقاء والتحرك.كل من ظهر في الشريط يبدي ألمه على ملامح وجهه ويتعمد قوبادي في صوره المقربة على الوجوه لتصوير معاناة شعب كامل تنتقل مراحله كالتالي: الأمل ثم التحرير ثم الانتحار. معالجة قوبادي للتدخل الأميركي في العراق حتى القبض على صدام خالية من التعقيد الاجتماعي - السياسي ويمكن اعتباره غير معاد للأميركان، لكنه يشير بلا لبس إلى أن الأميركان استغلوا الكرد في نزاعهم مع صدام ويمكنهم تركهم مجددا يواجهون مصيرهم لوحدهم.
إذن لا يوقر قوبادي أحد في هذا الفيلم، في الوقت نفسه لا يتجاسر في طرح قضيته كما أفلامه السابقة ولا يحاول فرض نهاية سعيدة وكما جرت العادة لا ممثلين محترفين، أنهم لاجئون في منتهى البساطة لعلهم لم يروا صالة عرض سينمائي في حياتهم. هي فرصة لتصوير تأثير الحرب على الأطفال والحروب المستمرة التي وجهتها ضدهم وحدات صدام العسكرية بشكل مستمر وخلاصته منحصرة في ارتباط السينما الإيرانية بتجربة اللجوء إلى عالم ليس لهم مكان فيه.

الأفلام اللاتينية العميقة والساحرة



ليس بالمصادفة أن نختار أربعة أفلام فازت بجوائز لا يمكن إحصاؤها في مقال واحد تقدمها سينما أميركا اللاتينية المجهولة للكثيرين وربما حتى لمحبي فن السينما.وطبيعة الاختيار صممت لكي تناسب صنوف السينما لكي يتم التعرف على الفن اللاتيني في السينما الوثائقية وسينما الأطفال والروائية الطويلة للراشدين. فلنعبر السور الذي طالما أعاقنا عن رؤية الروائع بسبب زحام السوق بالدارج والعادي والرخيص والسريع والتافه، باستكانة من يريد رؤية فن راق يسحبنا إلى سمو مؤقت نحترم فيه الأبصار والعقول والرؤى.

تحيا كوبا
ترشح هذا الفيلم للأوسكار وفاز بجائزة لجنة التحكيم في مهرجان كان و25 جائزة أخرى وهو إنتاج كوبي ـ فرنسي مشترك حواره باللغة الاسبانية والإنكليزية أخرجه خوان كارلوس كريماتا مالبرتي المولود في كوبا عام 1961 وأنهى فيها دراسته في المعهد الوطني للسينما وفاز بعدة جوائز عن أفلامه الوثائقية وفلمه 'ندى' المنتج عام 2002 حصد جوائز كثيرة وفجر السينما الكوبية في كل المحافل الفنية. يهتم الفيلم بقضية هجرة الكوبيين والعلاقات الأسرية المعقدة التي تدفع إلى ذلك من خلال زميلي الدراسة خورهيتو (خورهيتو ميلو أفيلا) ومالو (مالو تاراوه بروشيه) اللذين يعيشان في كوبا، لكن والدة مالو الغنية السليطة لاريسا فيغا ألمار المنفصلة عن تحاول الهجرة إلى أميركا مع ابنتها، وهذا يعني انفصال الصديقين الحميمين بعضهما عن بعض إلى الأبد، لذلك سيجوبان البلاد طولا وعرضا بحثا عن والد مالمو الاشتراكي الصارم الذي يحرس فنارا بعيدا مئات الكيلومترات عن العاصمة ليقنعاه بالتصرف حيال هجرة زوجته المطلقة. لقد كانت رحلة المراهقين بمنزلة رحلة الأمل وجوهر الشريط الذي نقل المشاهدين إلى كوبا الحقيقية من خلال هذا السعي الذي بذل فيه خورهيتو ومالو كل جهدهم مستغلين الأقدام والحافلات والسيارات والدراجات النارية من أجل لم شمل أسرة وصداقة رائعة على وشك الانهيار. أداء جذاب من المراهقين اللذين كانا أحد أهم عناصر جاذبية الفيلم الذي حمل كوميديا سياسية عميقة لاسيما حينما يعرض الدروس الضرورية للحزب التي تتحدث عن ضرورة التضامن وحماقة الهجرة والمشاكل اليومية للأطفال والمراهقين الكوبيين. ولعله قريب لحكاية 'روميو وجوليت'، فالصداقة بين المراهقين مهددة من الأم لاريسا التي تمنع ابنتها مالو على الدوام من اللعب مع خورهيتو ووالده يضع قيودا مماثلة على هذه الصداقة. وكما عانى 'روميو وجوليت' من اهليهما، سيجد البطلان الصغيران العوائق نفسها في شريط منتج كاملا في كوبا بكل عناصره كاشفا تأثير الهجرة على الأطفال الذين سيضطرون الى ترك منشئهم وحياتهم وأصدقائهم وامنياتهم ومتعهم ليواجهوا تحديات جديدة خاصة أن القانون الكوبي فرض قيودا صارمة على عودة المهاجرين وهذا يعني ان المهاجر سيكون كالميت بالنسبة إلى أحبائه الذين فضلوا البقاء في كوبا.لم تكن رحلة الصديقين الصغيرين هربا من الافتراق وهجرة أحدهما، بل كانت رحلة إلى قلب الأمل ودعوة إلى الآباء في ان يأخذوا في الحسبان آراء أطفالهم عندما يتخذون قرارات مهمة كالهجرة خاصة عندما يكون هؤلاء الأطفال أصحاب الشأن الأول. فيما يتعلق بالإنتاج، فإن خوان كارلوس استعان بشركة إنتاج التلفزيون الكوبي بالتعاون مع شركة إعلان فرنسية ومؤسسة أفلام أميركا اللاتينية الجديدة ومركز مارتن لوثر كنغ الابن والمركز التلفزيوني للطفل الأميركي اللاتيني وغيرها من المؤسسات الفنية الكوبية التي ساعدت خوان كارلوس على الاستمرار في رحلة الأمل.




إنكار ناثيون
فيلم بارع من الأرجنتين فاز بجائزة الابتكار في مهرجان تورنتو السينمائي الدولي يقدم ملكة جمال البلاد السابقة إرني (سيلفيا بيريز) التي مضت بها الدنيا بسرعة من دون أن تصدق أنها أصبحت في الأربعين لتحاول العودة مجددا إلى أيام مجدها في العشرين من عمرها ولو بالملابس والتصرفات الصبيانية. أداء مميز من سيلفيا بيريز كانت بالفعل تحاول التأكيد وهي في الأربعين أنها ملكة جمال الأرجنتين والممثلة الذائعة الصيت التي لم تغب يوما عن التلفزيون واهتمام المشاهدين، وعلى الرغم من أن هذا فيلمها الأول الروائي الطويل، إلا أن بيريز لم تدع أي مجال للشك في موهبتها الكبيرة في التمثيل وجرأتها الكافية التي أفضت لها المساحات الفارغة لكي تسير قدما للتألق.المخرجة الشابة أناهي برنيري ولدت في بوينس ايرس عام 1975 وكانت قد كتبت سيناريو فيلمها الروائي الطويل الأول 'عام بلا حب' 2005 وفازت به بجائزة الدب الصغير في مهرجان برلين السينمائي ولها أفلام 'عارضة أزياء برسم العمل' 1997 و'سيلفيا بريتو' 1999.وعلى الرغم من بعض مشاهد إرني الجريئة، إلا أن الفيلم مهذب اجتماعيا ودراسته عميقة للذات النسائية وفهمهما للجسد وتميز الشريط بكوميديا معتدلة وتعقيد طبيعي لطرق التصوير الذي ساهم فيه دييغو بوليري الذي جهد نفسه في تحليل صور إرني في شبابها وتقدم العمر بها والظلال التي تعمدها في الإنارة والبصريات الأخرى الموحية بقرب الشيخوخة واللعب في تحديد الزوايا التي التقطها لجسدها والتي تعبر عما تود أن تكون عليه بطريقة فذة ساعدت السيناريو الذي لم يقل كل شيء في الحوار وترك الكاميرا تعبر عن الحدس غير المرئي، ومن الواضح ان برنيري ملأت 96 دقيقة من شريطها بكل ما تريد قوله دون أن يهمها في بعض المسارات الطويلة تعاطفها مع جمهور قد يغلبه الملل أو الخيبة حينما يرى تجاسر امرأة في منتصف العمر تبدو كمراهقة تافهة توشم ذراعها وظهرها وتلطخ جلدها العاري وتضع مكعبات الثلج في النبيذ الأحمر وتردد عبارات غريبة محاولة مجاراة من هم أصغر منها في سخرياتهم المذلة ظنا منها أن ذلك سيعيدها إلى أوقات الثمانينات حينما كانت رمزا للجمال في الأرجنتين.انها حكاية مؤثرة في كل الأحوال وتمس مشاعر الكثير من المشاهدين الذين يعانون من افتراء الحياة، لكنهم لا يملكون شجاعة إرني. ومنح سيناريو برنيري الفيلم زخما قويا وإحساسا عميقا في كيفية كسر الوحدة لامرأة عزباء لا تعني شيئا لأي احد في وقت كان رجال البلاد أجمعين يهرعون وراء ذيل فستانها. ان مدير التصوير ساعد المخرجة وتفنن للغاية في منح الشريط قدرة تصوير النجم الباهت حتى في الألوان التي استخدمها وكذلك الذبول في الهمسات الضيقة للحوار وعتمة المرأة التي تتطلع إلى صورتها في بركة الحديقة في اللحظة التي تحاول فيها الخروج من عزلتها وسلك الطريق الوحيد المكتوب لها أن تسير فيه.




90 ميلا
فيلم أقرب لأن يكون وثائقيا ينسل إلى العالم الخاص لكبار الموسيقيين في أميركا اللاتينية وكم عانوا من مصاعب وبذلوا جهودا جبارة لأن تصل موسيقاهم إلى كل العالم في تتابع دقيق لمسيرة 50 عاما من تطور الموسيقى اللاتينية التي برع في تسجيلها المخرج ايميلو ستيفان موظفا الألبومات الحقيقية واحاديث المبدعين الذين شاع فنهم وطغوا على سواهم الذين توافرت لهم فرص أكبر. ولعل هذا الشريط المنساب باللغة الإسبانية والإنكليزية هو الأفضل الذي تطرق للعمل الاستثنائي للموسيقيين الكوبيين الأكثر رواجا في العالم بمؤلفاتهم الصادقة ونياتهم المبجلة التي أثرت على أجيال عديدة وبنطاق واسع مثل بابو لوسا وجوني باشيسو وكانديدو كاميرو وباكيتو دي ريفيرا ونيلسون غونز وأندي غراس وشيلا إي وكارلوس سانتانا وجيوفاني هيدالغو وخوزيه فيلاشينو ولويس إنريكو وتراصف رائع للجيل الجديد من النجوم البارزين. عرض الفيلم الحياة الخاصة لكتاب الأغاني وربطها بالموروث الشعبي واللمعان الذي تلقته حال صدورها ودهشة التلقي التي بذلت سعيها ليتحول الشريط إلى رسالة رومانسية من كوبا إلى العالم. وهناك الموسيقى الكوبية التقليدية البالغة الحماس والحركة والرشاقة والمكسيكية المعاصرة ذات الشاعرية المرغوبة من قبل طيف واسع من المستمعين، ولم يفت الفيلم التوقف عند العازفين المنفردين المهرة والاتقان المبهر الذي قدمهم إلى أوائل الصفوف في عالم الموسيقى وتاريخها. ثمة 14 أغنية يتابعها الشريط تسجل جذور الموسيقى الكوبية الممتزجة بالثقافة الإسبانية ولاسيما الشريط الذي عبر بآفاق الموسيقى اللاتينية والأكثر مبيعا في عام 1994والمسمى Mi Tierra المتميز بإيقاعات ال Afro الكوبية الأصيلة.ثمة ما ينبغي الإشارة إليه هو أن '90 ميلا' هي المسافة بين كوبا وفلوريدا حيث يقطن أغلب الموسيقيين الكوبيين الذين اختاروا العيش في المنفى، الذين تحييهم غلوريا استيفان في ألبومها الجديد الذي اطلقت عليه تسمية الفيلم نفسها والذي يتصدر قائمة المبيعات الآن في الأسواق الأميركية والأميركية اللاتينية. يذكر أن إيميلو استيفان ولد في هافانا عام 1953، لكنه رحل إلى الولايات المتحدة في سن المراهقة وعمل منتجا للتسجيلات وساهم في إبراز الكثير من النجوم اللاتينيين المعاصرين مثل شاكيرا وجينيفر لوبيز وريكي مارتن وكذلك زوجته غلوريا وحصل على 14 جائزة غرامي وأنتج العديد من الأفلام الوثائقية وفي عام 2005 حاز جائزة أفضل مؤلف للأغاني.


ضوء صامت
فاز بجائزة لجنة التحكيم في مهرجان كان السينمائي 2007 منتج من المكسيك وفرنسا وهولندا وألمانيا بإدارة المخرج المكسيكي كارلوس رايغاداس الذي بدأ الفيلم بأطول لقطة صامتة استمرت 6 دقائق يتابع فيها بزوغ الفجر ممهدا المشاهدين لأسلوب لا يعتمد على الحركة، بل على التأمل والحوار القليل الذي يعني الكثير الذي تبناه المخرجون العظام وتعد المشاهد الأولى الطلقة الافتتاحية التي ستنبه الجمهور بأن قطعة فنية ممتازة ستقدمها إليهم السينما طوال 132 دقيقة. يقدم رايغاداس الأزمة الذاتية الروحية والأخلاقية والنفسية وصراع لازدواجية الإنسان، ما بين إيمانه الديني ونزواته الخاصة، في شخص رجل متدين يوهان (كورنيليو وول فيهر) يتورط بعلاقة عاطفية مع ماريان (ماريا بانكراتز) يشعر بأنها تمس مشاعر زوجته إستر (ميريام تووس). ويعتبر أحد تلك الأفلام التي تبرز بفضل عناصره الجمالية التي لا يمكن نكرانها والتي تترك المشاهد يذوب في الصور الروحية والسحرية جدا والطبيعة المدهشة وموسيقى تصويرية تحفها أصوات الحيوانات التي تصاحب مرحلة الظهور المفاجئ لعالم ما وراء الطبيعة، تلك الأجواء المغرية التي تصاحب المطر وهو ينزل على جبين الزوجة المستسلمة بهدوء إلى الحزن والسأم من رفيقها الذي تفقده شيئا فشيئا. ان فريق الممثلين مجهول، لكن النجم الحقيقي كان 'المنظر الطبيعي' كقطعة بصرية نادرة وكضوء صامت لكنه يتحدث بلغة أخرى وحوار غير مسموع للبشر المهمومين بالآثام اليومية. حقا هو إنجاز رائع للمكسيكي كارلوس رايغاداس والعدسة البليغة لألكسيس زابي (ربح الجائزة الذهبية للتصوير في مهرجان كان) والهيام المركب في أداء وول فيهر والانعكاس المتداخل مع الحقول المثلمة بالانتظار. وهو فرصة كبيرة لرؤية السينما الشعرية تتدفق مع فيلم في غاية الصعوبة بهدفه الغامض والتغيير التدريجي في الضوء طوال اليوم كان سردا للحكاية وبمثابة الدورة الحزينة والقاسية للعذاب والوحدة والفردية، الإنسان من جهة ودوران الأرض من جهة أخرى، اقتراح للولاء والانصهار في الضوء كعامل يمثل النقاء والخطوة الجديدة الداخلة في دورة الحياة والموت، وكأن من رسم لوحة الفيلم حاول القول أن الحب يموت بسبب قلة العناية وأن الخسارة في الحب كذبول الضوء وأن التضحية يعادلها وزن المطر ومرح الفراشات المنتشية بأخبار الصمت.

ألوان وأطياف السينما الهندية



استحقت السينما الهندية أن يفرد لها برنامج خاص في مهرجان دبي السينمائي الدولي الرابع، ليس بسبب الحماس لكونها تنتج نحو ألف فيلم في العام تتحدث أكثر من 20 لغة، بل لغناها وتنوعها وفرادتها. افتتح احتفالية السينما الهندية فيلم 'صحوة الإيدز' وهو في حقيقته مكون من أربعة أجزاء أشرفت عليه بموهبتها البينة ميرا ناير يشاركها ثلاثة مخرجين كبار هم سانتوش سيفان وفيشال بارادواج وفرحان أخطر وبطبيعة الحال ميرا ناير بمساعدة ممثلين شبان بينهم شابان عزمي وعرفان خان وبي ساروجاديفي وبرابوديفا وشيني أهوجا ورامبا.تتوجه الآنسة ناير إلى المهاجرين وأطفالهم، العائلات التي تجد نفسها في بيئة غريبة تبحث عن هوية ثقافية جديدة ورجالها يبدون كما لو خرجوا من نسيج آخر مهتمة بالأرجوحة التي تطوح بالإنسان حينما لا يكون واثقا من الطريق الذي وضعته الأقدار ليسير عميقا فيه لغاية حصوله على صفة المفقود!فيلم مؤثر بشكل كبير وإن كان عنوانه يدمجه مع الأفلام الوثائقية، إلا أنه مرتب بمونتاج صاحي وربما نادر على شاشات هذه الأيام بالانتقالات التي ذكرتنا بفيلم 'بابل' ومربية الأطفال المكسيكية التي لا تعرف لماذا ينبغي عليها أن تشعر بالذل حتى في غضون تأديتها واجبها. أنه شريط يتحدى المجتمع الذي يفترض أنه يرغب في فقدان تقاليد أسلافه في انشطار ثقافي رغم اتحاده في الخلفيات والتعليم والغرائز.ليس غريبا أن يحمل شريط الآنسة ناير كل هذا التوتر والأسئلة الثقافية العميقة، فهي قد ولدت في الهند ودرست في هارفرد الأمريكية وتستقر الآن في نيويورك وتمر لبضعة أشهر لتفقد بيتها في نيودلهي وقصتها تعتمد كخلفية على رواية للكاتبة لا هاري المولودة في لندن من أبوين هنديين 'مترجم الأمراض' والفائزة بجائزة بوليتزر الروائية والتي صورت فيها الأناس البسطاء المربوطين ببلادهم الأولى التي اختارت الدنيا لهم أن يتجاوزها بشكل ما.وتحافظ ناير على تراثها الهندي محاولة دمجه بشكل غريزي في أغلب أفلامها مثل شريط 'فانيتي فير' الذي يبكي أبطاله الهند بحدة، حيث يكتشفون في النهاية أن الرومانسية ليست العامل الحاسم في الحياة دائما.ويبدو أن ناير تعكس حزنها الخاص في أشخاصها الذين يندبون ضياع الوطن وتفكك الأواصر العائلية مفضلين الموت في عاصفة ثلجية في نيوجيرسي على العودة إلى أرضهم ولا يمكن نسيان مشهد المأدبتين اللتين أقيمتا في العزاء: الأولى في نيويورك والثانية في كلكتا بذاك التفنن البصري الأخاذ الذي تصور فيه الجذور حينما تقلع كحالها في شريط 'بلادي الخاصة' المستندة على مذكرات لإبراهيم فيرغيسي أندروز 'المفقود' ذلك الهندي المولود في أثيوبيا ويعالج مرضى الإيدز كطبيب مهاجر أكثر تعلما من سواه في هذه القرية. ان التعقيد في تغيير ثقافات الأجيال المختلفة مليء في فيلم 'زفاف الرياح الموسمية' الذي يصور شابة ذكية من نيودلهي تترك كل شيء خلفها لتتزوج مذيعا في أميركا الذي يستعرض الحزن المذل الذي أحالنا إلى شريطها المذهل ' فلتسلم' المنتج في بومبي حول أطفال الشوارع الهنود. تمر ناير على الإرهاب في أفلامها وإن كانت تتحدث عن شيء آخر، لكن لا يفوتها أن تحدثنا عن أولئك الناس الذين كانوا مثلنا وأصبحوا مختلفين جدا فجأة (انتجت فيلما عميقا ومركزا جدا مدته 11 دقيقة عن أحداث 11 سبتمبر).

طوابع فردية
ان 'صحوة الإيدز' هو أربعة طوابع فردية لأربعة أفلام قصيرة تسافر إلى القلب لحملها كل الأبعاد الإنسانية، ليس بتصوير هذا الفيروس القاتل من وجهة نظر علم الأمراض، بل في حشر كل الأوبئة التي تطحن الناس وهم لا يعلمون وليس غريبا أن يحتفل به مهرجان دبي وقبله استوحى اهمية استثنائية في مهرجان تورنتو السينمائي وفي صالات العالم المختلفة في يود الإيدز العالمي، وفي كلمة لميرا ناير :' ان فيلمها لم يكن للتوعية حول الإيدز كما جرى الحال في معظم الأفلام التعليمية والوثائقية، بل لضم كل المحن في فيروس أطلقت عليه 'الضياع'! وشكرت مؤسسة مليندا جايتس التي ساعدتها لكي يخرج العمل كما رأيناه متقنا ومفيدا.
قبل الأمطار
في غضون 98 دقيقة وحوار باللغتين الإنكليزية والمالايامية (ترجم في العرض إلى العربية) يفلح هنري مورس (لينوش روش) وهو تاجر شاي بريطاني يعيش في الهند في أوقات الاحتلال البريطاني في ثلاثينيات القرن العشرين في الحصول على قرض لغرض شق طريق يصل إلى مركز ولاية كيرالا لدعم تجارته.هكذا تبدأ قصة فيلم 'قبل الأمطار' الذي أخرجه أحد أشهر مديري التصوير في السينما الهندية سانتوش سيفان بإنتاج أميركي 2007.سيستغل هنري غياب زوجته وابنه ليقيم علاقة مع خادمته الهندية ساجاني (نانديتا داس) والحبكة لا يفلت منها الإيحاء الرمزي في حيرة الأبطال الرئيسيين واستلاب وعيهم بين ثقافتين هما خياران في حقيقة الأمر وضعا في طريقهم المعبد الذي لا يفض بكارة الحقول الهندية فحسب، بل تلك البراءة الطيعة للطبيعة للمضي قدما نحو عالم انتهازي ومنحط وكلما تسقط فيه شجرة ستندم فتاة على خيبة جديدة.


مجمد
لقد كدس هذا الفيلم الكثير من الإطراء في المهرجانات الكثيرة التي عرض فيها وفوزه بالجائزة الخاصة بلجنة التحكيم في مهرجان 'أوشيان' السينمائي في دلهي، حواره باللغتين الهندية واللاداخية (أحداثه في مقاطعة لاداخ الهندية) ولسبب موضوعي فضل مخرجه ومنتجه شيفاجي شاندرا بهوشان وكاتب السيناريو المصور شنكر رومان أن يكون فلمهما بالأبيض والأسود ليحكوا لنا عن صانع مربى كارما (داني دنزونجيا) يقطن في منطقة بعيدة ومعزولة وثلجية داخل كوخ في جبال الهملايا مع ابنته الرومانسية لاسيا (جوري) وشقيقها الأصغر شومو أنجشوك). ستقتحم حياة هذه الأسرة الهادئة وحدات من الجيش الهندي وتختار مكانا قريبا من الكوخ ليكون معسكرا لها، لتبدأ سلسلة من الأحداث لم تكن إلا صراعا بين العفوية والطبيعة والقوى المكبلة للسكينة. حمل الشريط محتوى سياسيا موضوعيا، إلا أنه سائد أيضا، لكن شاندرا بهوشان عمل كثيرا في تصوير الصراع الهدام بين الجمال والقوة المستبدة، فهو شخصيا يعشق السفر في الدروب الجبلية الوعرة ويهوى تسلق الجبال وعكس مواهبه هذه في فيلمه الذي سجله استديو 'سيجل ميديا برودكشنو' الذي يملكه في بومباي.

أربع نساء
يقدم أسطورة السينما الهندية أدور غولبالا كريشنان فيلمه المميز العاشر وقسمه كما يوحي عنوانه إلى أربعة أجزاء، لكل منها حكايته الخاصة. ويبدو أن هذه الأجزاء حتى من عناوينها هي كل النساء فقد جاءت كالتالي: البغي، العذراء، ربة المنزل والعانس.والفيلم يصور كفاح أربع نساء في مجتمع ذكوري تتقوض فيه أحلامهن في المنطقة الجنوبية الهادئة كيرالا. لم يكتمل حب أي من النساء الأربع اللواتي ينقبن في يأسهن ووحدتهن والوفاء غير المثمر والانتظار الذي ضرب المشاهد بالحزن المكثف جدا الذي كفن النساء الأربع، وهن على الرغم من ذلك وجدن بعض الصبر والصمود والقلق المنصهر بالذنب والغضب والإغراءات السهلة وعناصر أخرى جلبت تعاطف الجمهور العميق مع استنتاجاتهن ورغباتهن وألغازهن.
خاصرات البنجاب تقدم
فاز هذا الفيلم بجائزة أفضل فيلم روئي طويل في الدورة 65 لمهرجان 'فيرست رن' السينمائي، يقدم المخرج مانيش أشاري بانوراما من الشخصيات التي تتنافس في مسابقة للغناء والرقص بأسلوب ال Bollywood منهم الممثل الفوضوي ورجل الأعمال الرومانسي ومغني الراب المثلي ومعلم لليوغا وسبعة من الغرباء الذين سيقضون وقتا مشتركا بكل ما فيه من مرح وتناقض ومفاجآت في مدينة نيوجيرسي الأميركية. الفيلم مبهج من ناحية الغناء والرقص، لكن الكوميديا فيه مضجرة ومقحمة وبدت كأنها شيء خاطئ في الفيلم، غير أن الأبطال كانوا واقعيين على الرغم من المصادفات التي تحبها السينما الهندية، لاسيما المبالغة فيها، لكن الشريط تنقصه أشياء كثيرة ليحمل طابع السخرية التي أراد مخرجه فرضها بسبب عشقه الكبير للسينما وكان الأفضل لو ترك حكايته تنساب بهدوء ليس كما يرغب المشاهدون أن يروا ودون الخوض في التقلبات الصغيرة التي سبقته إليه سينما هوليود، أما استخدام الموسيقى الراقصة وحركة الكاميرا معها، فقد جلبت البهجة التي تحدثنا عنها باتقان كل الممثلين لعملهم وأداء حسن قدموه لأكثر من ساعتين.


منجزات أخرى
ضمن احتفالية السينما الهندية أيضا قدم فيلم 'قصة التلال الحمراء' باللغة البنغالية عن حياة الراقص الشهير مانوهار (ميثون شاكر افارتي) المتخصص بأداء رقصة 'شو' القبلية الذي جعلته يهمل الاهتمام بحبيبته مالوتي (موميتا جوبتا) لذلك ستجبر على الزواج برجل آخر شييب (شنكر شاكرافارتي) لتلد منه نتيجة هذا القران غير المواتي ولدا معوقا، فيحاول الأب قتله، إلا أن مانوهار يمنعه من ذلك ويعيد ترتيب حياته، ربما برقصة 'جاترا' التي ستشفي الطفل المعوق وتجعله يقوم ويرقص على أنغامها. وهكذا تستطيع الموسيقى علاج العلل في الإنسان كما أراد الفيلم قوله. ويتحدث فيلم 'أطلق النار بمجرد المشاهدة' عن الإرهاب في لندن حيث تدور الأحداث بقيادة ضابط شرطة اسكوتلندرياد المسلم والمولود في لاهور الباكستانية طارق علي (نصر الدين شاه) الذي سيشرف على التحقيق في قضية مصرع شاب مسلم برصاص الشرطة بالخطأ حينما كان يهم بركوب المترو وكانت الشرطة تظن أنه يحاول تنفيذ عملية إرهابية.وفي حوار باللغتين الأوردية والهندية ينقلنا المخرج أكبر خان إلى قصة الحب الخالدة في شريط 'تاج محل' الحاصل على الكثير من الجوائز في المهرجان الوطني للسينما الهندية مراجعا قصة الحب بين الامبراطور شاه جيهان وزوجته ممتاز محل محتويا على الكثير من المشاهد التاريخية وأبهة القصور المنغولية التي كلفت ميزانية الفيلم 25 مليون دولار.