«أنا أتحدث عن جوف الليل،
أنا عن جوف الليل أتحدث
وإذا ما زرتني يا صديقي
فاجلب معك مصباحا وكوة
أستطيع من خلالها أن أراقب الناس
في الشارع السعيد»
فوروغ فاروخزاد
«أرى أن المشكلة الكبرى في إيران هي الإيمان بالحقائق المطلقة. كل واحد يعتقد أنه محق تماما. ولذلك أخفقت الديموقراطية في إيران. فالديمقراطية قضية ثقافية قبل أن تكون قضية سياسية. نحن جميعا نعتقد أننا مالكو الحقيقة الوحيدون، وعلى كل واحد أن يخضع لأفكارنا. نحن نفتقر إلى تقليد المناقشة العامة، فلدينا بدلا من ذلك، منبر الواعظ»
المخرج الإيراني محسن مخملباف
PDF
انطلاقة السينما الإيرانية كانت في فيلمين صامتين للأرمني أفانيس أوغانيانز «أبي وربي» - 1930 و«حجي آغا» - 1932، بينما أنشأ إبراهيم خان طهراني عام 1904 أول دار عرض سينمائي تمكن من خلالها استيراد الأفلام الأجنبية وبعده عام 1907 بنى مهدي خان دارا للسينما في طهران (والده إنكليزي وأمه روسية).
وبعد الحرب العالمية الأولى وتقسيم البلاد ما بين الاحتلال الروسي والإنكليزي في غضون حكم سلالة القاجار وتأسيس الحزب الشيوعي الإيراني عام 1921 بدأ زمن الوعود الكبيرة في الثقافة والفنون بعد ولادة حركة الحداثة في الشعر بنشر ديوان «أفسانه» (الأسطورة) و«أيها الليل» و«أبو الهول» لنيما يوشيج وأعمال أحمد شاملو ومهدي أخافان وعودة صادق هدايات من أوروبا لتبدأ مرحلة الأدب القصصي وهي السنة نفسها التي كانت فيها إيران تنتظر فيلمها الأول عام 1930، فيما كان إبراهيم مرادي يؤسس أول استديو في بندر أزلي على شواطئ بحر قزوين ومن هذا المكان أنتج فيلمه «انتقام الأخ» 1931 وفيلم روائي طويل «الجشع» 1934، وعمل إردشير إيراني «الفتاة المتكبرة» 1933 الذي أدى – كما قيل وقتذاك – إلى أن رضا شاه حظر بعده على النساء ارتداء الشادور، أعقبه فيلم «شيرين وفرهاد» - 1934 بالاعتماد على قصيدة للشاعر الكلاسيكي نظامي، ثم «العيون الداكنة» - 1936 و«ليلى والمجنون» - 1937 لتشيد هذه الأعمال أساس السينما الإيرانية.
Forough Farokhzad
ما بعد الرواد
ستنتهي الحرب العالمية الثانية ليخرج إسماعيل كوشان فيلمه «عاصفة الحياة» 1948 الذي اعتبر أول فيلم ناطق بالفارسية أنتج داخل إيران، أعقبه شريطه «سجين الأمير».
وبعد التحولات السياسية بتولي مصدق رئاسة الوزراء ومغادرة الشاه ومن ثم عودته مدعوما من الولايات المتحدة هذه المرة، بدأت مرحلة جديدة للسينما التجارية التي دعمها رجال الأعمال الناشئون: «كولا مخملي» 1962 و«إبرام في باريس» 1964.
لكن الشاعرة والمثقفة الطليعية فوروغ فاروخزاد أخرجت عام 1962 فيلم «منزل مظلم» الذي يعتبر أهم شريط في تاريخ السينما الإيرانية ولا يزال يؤثر في جماعة «الموجة الجديدة» سوية مع «ليل الأحدب» لفاروخ غفاري الذي يعده الكثيرون بداية تأسيس السينما الإيرانية الجديدة، كحال فيلم «البقرة» 1969 لداريوش مهرجوي الذي أفزع الجميع بموضوعه الهام بتحول رجل إلى بقرته الميتة.
ثم شهدت السبعينات الخطوات المتقدمة بفيلم «تانغسر» لأمير نادري و«حياة ساكنة» لسوهراب شهيد سالس و«الغريب والضلال» للمخرج مهرام بيزائي الذي وطد نفسه بطريقة رائعة في شريط «أغنية تارا» 1978 حيث بلغ فيه أقصى ما يمكن أن يصل إليه فن السينما الإيرانية في مرحلة ما قبل الثورة، التي ما إن انتصرت حتى ظهرت موجة من الأفلام الدعائية السياسية لا تهمنا في هذا الاسترجاع.
Mohsen Makhmalbaf
أسرة مخملباف
كما سجن مبكرا، برزت مواهبه أيضا. ومن الواضح أن محسن مخملباف الطهراني من جهة الأب والكاشاني من جهة الأم (دام زواج والديه 6 أيام فقط) كرّس حياته وعائلته للفن منذ أفلام المرحلة الأولى ما بين 1982 – 1983: «توبة نصوح»، «عينان عمياوان» و«البحث عن مأوى»، كما كتب قصصا كثيرة نشرها في كتاب، بينما ضم كتابه الثاني مجموعة سيناريوهات ومسرحيات يقع في ألف صفحة.
ويعتبر فيلم «مقاطعة» 1985 (جذب مليون مشاهد في طهران وحدها، كتبه في البداية كمسرحية عنوانها «المسحور») بين مرحلته الأولى والثانية التي كانت في «راكب الدراجة» 1987 و«البائع المتجول» 1987 و«زواج السعداء» 1989 وحسب محسن مخملباف، فإن في هذه الثلاثية تساؤل: «ماذا سيعقب هذه الشعارات؟ لقد ضرب اليسار. صحيح كنت قلقا من إمكان توليهم السلطة، وفي هذه الآونة أخذ شكل أفلامي يتحسن من الناحية الفنية. لقد أحسنت صنعها على نحو جعلها فوق الفيلم الإيراني المتوسط الجودة، وهذا ما فتح الباب أمام الأفلام الإيرانية للدخول إلى المهرجانات الدولية».
تأتي المرحلة الثالثة لمخلمباف في: «ظلمات على زايندا – رود» وثلاثيته: «حدث ذات يوم أيتها السينما» – 1992 و«الممثل» - 1992 و«سلام سينما» – 1995.
زوجته فاطمة كانت كما يقول «تملأ أي دور أحتاج إليه»، بينما بناته (المخرجات فيما بعد) سميرة ولدت بعد الثورة بعام، وميسم بعد عامين وهـَنا أثناء تصوير «زواج سعداء»، فقد ظهرن في العديد من أفلامه.
هذه الثلاثية أطلقت أفلامه الناجحة جدا عالميا، بدءا من شريطه «الغابة» وهو قصة حب احتوت تفاصيل دقيقة غاية في الجمال والتعبير، فحين يأخذ لقطات بعيدة للمرأة، يرد عليها بلقطات مقربة للرجل، كإيحاء للنظرة الذكورية للحب في المجتمع وكانت لمساته السريالية الساحرة بالألوان والناطقة بالأفكار واحدة من أعاجيب السينما حيث تتزوج العاشقة من خيال غامض، قصة مغرية ومفجعة سلب منها الغضب وبالتأكيد التفت إليها باندهاش كل المعنيين الجادين في السينما.
كذلك في «لحظة براءة» – 1996 حيث يستبدل السكين بالخبز والزهور والوجه الشاحب المكشوف مقدما ممثلين هواة جسدوا الحيل الجميلة والحزينة للبراءة.
فيلم رائع آخر «الصمت» – 1998، هادئ غني بالألوان والأصوات المنتقاة لشاب أعمى يدير دكانا للآلات الموسيقية ويرتبط مع جارته باهتمام متبادل وصمت خال من الأفكار، كثيف الإيقاعات الغنية.
Kandahar
قندهار
موهبة محسن مخملباف الاستثنائية تتفجر في شريط «قندهار» – 2001 الذي يعود به إلى قسوة أفلام الثمانينات التي جعلت صدى هذا الفيلم في الغرب مدويا لغاية هذه اللحظة وسنوات طويلة أخرى قادمة، بتصويره مراسلة صحفية نافاس (نيلوفير بازيرا) ولدت في أفغانستان لكن تسنى لها الهرب مع عائلتها إلى كندا، غير أن أختها لم تكن محظوظة، وبقت في البلاد التي طحنتها الحرب بما في ذلك سيقانها التي فقدتها بانفجار لغم. تتسلم الصحافية رسالة من أختها تخبرها فيها أنها ستنتحر أثناء الكسوف النهائي قبل فجر القرن الحادي والعشرين. ستبدأ محاولاتها المستميتة لإنقاذ أختها، حيث تنضم إلى قافلة من اللاجئين وتحاول دخول أفغانستان وحسب القانون هناك، لا يسمح لها بالسفر بدون «محرم»، لذلك ستجبر على استئجار لفيف من الأدلاء، ليكيف مخملباف التضاريس القلقة في قصته، بدءا من المشهد الفظيع للمستشفى الميداني الذي يرقد فيه ضحايا انفجارات الألغام، ليمنح المشاهد – على خلاف أفلامه السابقة – العاطفة الكبيرة والنضج الفني.
The Day I Became a Woman
«مرضية» أصبحت امرأة
وتستمر أسرة مخملباف الرائعة بتقديم الأفلام، في هذه الأثناء التي كان فيها محسن وابنته سميرة يعيدان الى العالم صورة فرانسيز وابنته صوفيا كوبولا، قدمت زوجته الثانية مرضية مشكيني مخملباف ( شقيقة زوجته الأولى فاطمة التي توفيت) شريط «أصبحت امراة» – 2000 مقسما إلى ثلاثة أجزاء عن ثلاث شابات وطفل وامرأة عجوز.
تكتشف الطفلة في عيد ميلادها التاسع أن عليها أن تخفي شعرها بحجاب وتتوقف عن اللعب مع الأولاد، لذلك تنسل لتحظى بآخر لقاء مع صديقها الطفل (الذكر)، فيما الثانية تصرّ على المشاركة في مسابقة للدراجات الهوائية، بينما العجوز تستأجر قطيعا من الأولاد لتأثيث حياتها الباقية.
إن لكل جزء حكايته في تصوير قمع إيران للنساء اللواتي وجدن طريقة للاحتفال بالحرية مع الظلم.
Taste of cherry
Abbas Kiarostami
الموجة العالية لعباس كياروستامي
أحد رواد السينما الإيرانية الجديدة هو عباس كياروستامي الذي ولد في 1940، درس الفنون الجميلة في جامعة طهران وبدأت مهنته كمصمم للإعلانات التجارية. لاحقا، ولكونه جاء مع معهد التطوير الثقافي للشباب، فقد كانت أفلامه الوثائقية المبكرة مكرسة حول تلاميذ المدارس.
والحدث الأهم الذي يسجل لهذه الموجة كان شريط «طعم الكرز» للأول والذي ارتبط بالسعفة الذهبية لمهرجان كان 1997، حيث تحولت السينما الإيرانية بعد هذا التاريخ إلى ظاهرة لافتة وحضور قوي في المهرجانات الدولية، كالموجتين الإيطالية في الخمسينات والألمانية في الستينات.
بدأت سينما كياروستامي بشريطه القصير «الخبر والممر» 1970 حيث أسس فيه حساسيته البصرية الأولى، تلاه فيلم «انسحاب» 1972 و«المسافر» 1972 و«التجربة» 1973 و«بدلة العرس» 1976 و«طريق مسدود» 1977 وثلاثية «رستم آباد» و«لقطة مقربة» و«حياة ثم لا شيء» 1992 الذي حدد فيه فلسفته تجاه الحياة والسياسة والنظام والخوف والوجع راصدا الحياة البسيطة للأطفال والمحبين والعجائز بعيدا عما يحصل حولهم كمقدمة لرسمه الطبيعة في «طعم الكرز» كمعادل للانتحار وفوضى الحياة بغنائية شاعر، وضعته في نظر الكثيرين الأعظم من كل الأفلام الإيرانية، تدمج فيه الصورة المقربة بشكل مستمر لتتحول إلى طلاء أو بعثرة ألوان، انتقال من أحاديث السيارة إلى قاعة المحكمة ومن ثم ينقلنا في جولة على دراجة حيثما يريد الذهاب، كي نستطيع سماع ما يقوله الرجلان اللذان يتهيآن للموت.
Where Is My Friend's House
أطفال الفضاء
فيلمه الطويل الأول «المسافر» – 1974، قطع أنفاس من شاهده في عرضه الأول في فرنسا. وكان يصور فيه قصة مراهق يهرب من المدرسة لمشاهدة مباراة كرة قدم في طهران وعليه أن يداهن سائق حافلة لكي يقله إلى العاصمة، لكن الإجهاد وصعوبة النوم يلحقان به، فينام ويفوت على نفسه تحقيق حلمه ويغيب عن المباراة. الشريط صور بالأسود والأبيض وجلب الانتباه الأول لكياروستامي وإمكاناته الهائلة.
بعد 13 سنة يعود كياروستامي إلى هذا الموضوع في شريط «أين يقع منزل الصديق؟» – 1987، كمحاكاة لقصيدة سوهراب سيهري حول طفل يحاول حماية صديقه بعد أن وقع في خطأ بسبب السهو وأخذ واجب صديقه البيتي معه، وفي حالة عدم إعادته ستكون درجة صديقه صفرا في المادة الدراسية، لذا عليه البدء برحلة طويلة حول الطرق الوسخة والمؤذية في القرى الإيرانية النائية وسيقابل عدة أشخاص في الطريق الشاق كالرحلة المتعبة في فيلم «المسافر»، واستخداماته الرائعة للفضاء.
طعم الكرز
الدقائق الـ 95 لفيلم عباس كياروستامي انتزعت السعفة الذهبية لمهرجان كان واستقطبت أغلب نقاد السينما في العالم. تحكي قصة «السيد» رجل متوسط العمر يتمنى الانتحار «هامايون إرشادي» (آخر افلامه عداء الطائرات الورقية) يجوب أطراف طهران بحثا عن شخص يساعده في لحظاته الأخيرة ويوافق على دفنه إذا نجح في مهمته. خطط في البداية لجرعة زائدة من الحبوب المنومة لكنه فشل، كما فعل معه جندي كردي يهرب من الخوف ما ان يعرف بخطة السيد، وكذلك الطالب الجامعي الأفغاني الذي حاول إقناعه بقدسية الحياة وأخيرا يجد محنطا تركيا يوافق على مساعدته في الانتحار لأنه يحتاج المال لمعالجة ابنته المريضة. سيتركنا كياروستامي بدون إجابة حول السؤال: لماذا يريد السيد الانتحار وبهذا الإصرار وهل سينفذ خطته بنجاح؟سنرى أنه يحفر حفرة ويضطجع فيها ليرى إن كان سيبقى حيا حتى الصباح، وينتهي الفيلم ما ان يدخل السيد إلى حفرته وتقل الإضاءة حتى السواد التام. الجواب سيكون مبطنا في حواره الغني جدا واستخدامه للمناظر الطبيعية كخلفية والشاعرية التي حملتها العدسة حينما صورت عيني السيد وهي تفتش في الغبار عن وجوه عمال طهران الفقراء وبحثه في الاستعارة عن أسئلة الحياة والموت بتجربة سينمائية – فلسفية وكذلك شخصية، تتطلب فصل المشاهد من الأفكار الشائعة والمتوقعة. النقاد يعلمون بالطبع، مدى تأثير عمالقة مثل أكيرا كوروساوا وجين لوك غودارد في هذا الشريط، لكنهم أعجبوا بالقدرة التجريبية لكياروستامي باستخدامه أساليب جديدة حقا في السينما بتصويره الجمال حينما يكون الأمر بعيدا عنه تماما وشفافية الأناس المتورطين بأحداث في الحياة تمزق ادعاءاتهم للحقيقة والمطلق.
ما بعد رواد الموجة الجديدة
لا بد من الإشارة إلى جهود مخرجين كبار ساهموا في تأسيس أعمدة الموجة الجديدة للسينما الإيرانية ابتداء من داريوش مهرجوي ومسعود كيميائي وناصر ثقفي ومهرام بيزائي وبهرام فرمتارا وفاروخ غافاري وعامر نادري وأبو الفضل جلالي وجعفر بناهي وقائمة ليست قصيرة ممن لم يفتنا ذكرهم، بل أدى تقصيرنا الفادح مع ظروف أخرى الى ضعف اطلاعنا على أعمالهم، مكتفين بتواضع مشاهداتنا للأفلام التي حققت رواجا عالميا في المهرجانات الدولية، الأمر الذي منحنا فرصة مشاهدتها.
لا بد من الإشارة إلى جهود مخرجين كبار ساهموا في تأسيس أعمدة الموجة الجديدة للسينما الإيرانية ابتداء من داريوش مهرجوي ومسعود كيميائي وناصر ثقفي ومهرام بيزائي وبهرام فرمتارا وفاروخ غافاري وعامر نادري وأبو الفضل جلالي وجعفر بناهي وقائمة ليست قصيرة ممن لم يفتنا ذكرهم، بل أدى تقصيرنا الفادح مع ظروف أخرى الى ضعف اطلاعنا على أعمالهم، مكتفين بتواضع مشاهداتنا للأفلام التي حققت رواجا عالميا في المهرجانات الدولية، الأمر الذي منحنا فرصة مشاهدتها.
وفي هذه المناسبة لابد أن تتاح الفرصة للاحتفاء بنساء السينما الإيرانية اللواتي قدمن منذ أن افتتحت الطريق لهن فاروغ فروخزاد في فيلمها «المنزل المظلم» مطلع التسعينات لتنال من عصرها وتسبقه في رؤية الداء المخيف الذي ينتظر بلدها، لتمر سنوات طويلة حتى تظهر بخشان بني بأعمالها الجريئة «نرجس» – 1991 و«ذات الخمار الأزرق» 1994 و«سيدة أيار» – 1999 لغاية سميرة مخملباف وجيل ما بعد الأيديولوجيا الذي ظهر في القرن الحالي محدثا السحر والصدمة جعل قيمة المهرجانات الدولية في ما تعرضه من أفلام إيرانية.
وسنقدم ثلاثة نماذج باهرة النجاح ممن أذهلوا العالم بأفلامهم ولدوا من الموجة الجديدة للسينما الإيرانية:
Samira Makhmalbaf
سميرة مخملباف
بعمر 19 سنة وبسيناريو كتبه والدها عن رواية سيمن دانشفار وأشعار فوروغ فروخزاد، تقدم سميرة مخملباف فيلم «التفاحة» – 1998 لتكون أول مخرجة في تاريخ مهرجان كان تنافس في هذا العمر على السعفة الذهبية.
تقدم بنتين مراهقتين زهراء وماسويمي سجنتا في بيتهما من قبل أبيهما لإحدى عشرة سنة منذ ولادتهما، لكونه يعتبرهما كالزهور تذبل ما أن تصيبها الشمس (عيون الأولاد)، ونتيجة ذلك أصبحتا غير مؤهلتين للتعامل مع العالم الخارجي، حتى غير قادرتين على المشي والكلام، كما لو خرجتا من القبر إلى الحياة.
سنوات لم تجز الرقابة الإيرانية هذا الفيلم، لكن سميرة أطلقته على الفيديو، إلى أن أحرق أوراق لجنة التحكيم في كان ومنحته بالإجماع جائزة لجنة التحكيم.
بعد هذا النجاح الذي حققته، قدمت فيلم «السبورة» – 2001 عارضة فيه مغامرات معلمين كل يحمل سبورته ويتجول في الطرق الملتوية والترابية على الحدود العراقية – الإيرانية ليعلموا اللاجئين، وبالرغم من امتلاء الشريط بالصور الاستثنائية، فإن سميرة مخملباف لم تقدم أفكارها ولا حتى نواياها بوضوح.
لسميرة مخملباف أيضا «حصان بساقين» حصلت فيه على جائزة لجنة التحكيم بمهرجان كان وكذلك فيلم «في الخامسة عصرا» – 2003 نافس على السعفة الذهبية في مهرجان كان.
Majid Majidi
ماجد ماجدي
بدأ ماجد ماجدي هذه المهنة في أفلام محسن مخملباف، لكنه كمخرج سرعان ما حقق النجاح التجاري في الولايات المتحدة بشريطه «أطفال السماء» – 1998 الذي يعتبر الفيلم الإيراني الأول الذي يرشح لأوسكار أفضل فيلم أجنبي، ويطرح قضية فصل الجنسين أيضا. أعقبه شريطه «لون الجنة» – 2000 الذي ربح تجاريا وأخفق فنيا وكان استعادة ضعيفة لفيلم «الصمت» لمخملباف، مستعيدا بطله الكفيف الذي يصبح عبئا على والده القاسي. وبخلاف أستاذه، يختار ماجدي ميلودراما عالية وحوارات مباشرة تكسب شرائح أوسع من الجمهور. غير أنه أصلح نفسه في فيلمه القادم «باران» – 2002 الذي كان أيضا تقليدا لشريط محسن مخملباف «قندهار»، حول بنت تتخفى بهيئة ولد لتعمل في موقع بناء لمساعدة أهلها اللاجئين الأفغان، لكن المخرج ترك هذه المرة ميوله العاطفية وتقديراته نظرته الواقعية وتمتع بفضاءات كياروستامي الفريدة، مع أخطاء ليست بالقليلة حول الحياة الأفغانية الحقيقية، وميل ماجدي لانتقاد طالبان بالشكل الذي ينتظره المشاهد الغربي.
Profile of Iranian Kurd Director Bahman Ghobadi
بهمن قوبادي
عرف المشاهد الغربي المخرج الإيراني – الكردي بهمن قوبادي في شريط عباس كياروستامي «ستحملنا الريح» – 1999وظهر كأحد المعلمين الحاملين «سبورة» سميرة مخملباف.
لكنه يعتبر مخرج أول فيلم إيراني ناطق بالكردية «زمن الخيول السكرانة» – 2000 موظفا أطفالا غير مدربين في الغالب، ساردا قصة أطفال يمارسون الأعمال الشاقة ليجمعوا المال لمعالجة شقيقهم المعاق.
يتفادى قوبادي العاطفية وسيتأصل أسلوبه هذا في الأفلام اللاحقة التي يكون فيها الأطفال عادة مجاله الدرامي. في عام 2003 قدم شريطا غير عادي «ضائع في العراق» لفرقة موسيقية محلية تتكون من أب وأبنائه يجتازون الريف بحثا عن زوجة الأب السابقة.
وكان هدف قوبادي تحليل آثار حربي الخليج 1991 و 2003 وممارسات النظام العراقي الوحشية في تدمير القرى الكردية، وفي خضم هذه الأحداث سيعثر على مطرب كردي عجوز يقلق بشأن مصير زوجته السابقة وشريكته في الغناء التي تركها لأكثر من عقدين ليحاول الدخول سرا إلى كردستان من أجل العثور عليها.
سنجد المشاحنات الكوميدية التي يتعرض لها من أولاده والظروف غير العادية التي يمرون فيها، وصور الخراب الذي خلفته القنابل الأميركية وأعمال النظام العراقي الانتقامية الدموية، لكنهم يعثرون على لحظات من الجمال تحت المصائب التي شاهدها جمهور مهرجان كان بتأثر.