10‏/06‏/2009

The Kite Runner


لا يمكن الهروب من الذكريات المخزية، هناك متسع في الحياة لتصحيحها فحسب. هذا ما يريد خالد حسيني قوله في روايته (The Kite Runner) الناجحة توزيعا وانتشارا ومبيعا في الولايات المتحدة وأوربا والتي حولتها إلى السينما مخطوطة سيناريو لديفيد بينيوف وأدار فريق الفيلم وأخرجه مارك فوريستر. يعتبر الندم أحد أقوى المواضيع في الأدب منذ ظهوره في الإنسانية، كل البشر من الممكن أن يقترفوا ما يتوبون عليه بتقدم العمر، لاسيما تلك الأخطاء المريعة والفاصلة التي يحملونها بقية حياتهم لغاية امتلاكهم القدرة على المستوى العقلي والعاطفي لتعويض الذنوب، لا مسحها.


PDF

هذا الفيلم يضعنا في مواجهة الوجه الإنساني للحرب، انه شريط يحاول تسجيل قهر الضحايا الأبرياء انطلاقا من كابول عشية التدخل السوفيتي ولغاية سان فرانسيسكو مطلع القرن الجديد، حاملا مثالب الحرب نفسها وطارحا أزمة الكتاب المغتربين الذين يؤلفون الروايات عن بلدانهم عبر السماع والأنباء ووجهات النظر المسبقة وما تبقى لديهم من إرث خلَّفه لهم الآباء الذين حملوهم أطفالا، كما جرى لخالد حسيني الذي ترك الطب، ليتفرغ للكتابة عن أفغانستان التي غادرها طفلا عام 1978، وهو العام الذي تبدأ فيه أحداث الشريط.



تورط المخرج الناجح
مارك فوريستر غير مبتدئ في إدارة الأفلام الطويلة التي تناقش ما يمكن أن نسميه «الأسئلة الكبرى»، فقد عرف في فيلمه «كرة الوحش» الذي جلب لهالي بيري أوسكار أفضل ممثلة و«حارس الغابة» الذي جلب له مديحا نقديا وإقبالا لافتا على شباك التذاكر.
ولفهم «عداء الطائرات الورقية»، لابد من مشاهدة هذين الفيلمين للتعرف على أسلوب فوريستر في معالجة المشاهد المركبة والمؤلمة عاطفيا وتعامله الصحيح مع الأطفال.
وهو مخرج طموح للغاية في التعامل مع الروايات ومجهز بالأدوات كافة للعودة إلى الماضي والإمساك بمحاور القصة دون الاستعانة بالتقنية والأرشيف والخدع وكان دائما ينال هدفه، غير أنه في هذا الشريط وجد رواية حسيني مرتبة جدا، كما لو كتبها خصيصا للسينما، بميزتها المتحركة وإثارتها النفسية وحتى في ظلامها وتناولها وبدا أن مهمة بينيوف جرت بسلاسة، لكونه لم يجد صعوبة في الانتقال ما بين زمنين: أفغانستان قبل الاجتياح السوفيتي وفي أيامه الأولى، ومن ثم في غضون حكم طالبان، ووضع الجالية الأفغانية في أميركا، وهكذا لا يوجد أكثر من هذا الترتيب للشروع في تصوير فيلم. ولكن هل كان الطريق متاحا أمام هذا المخرج الناجح، دون التورط في طرح قضية كانت أكبر من الكاتب نفسه؟

أفغانستان بعين طفل
كما أنه من أندر الأفلام التي سلطت الضوء على المجتمع الارستقراطي الأفغاني أوقات الملكية، ووضع الروائي اهتمامه بالأطفال أكثر من البالغين (لكونه البطل الحقيقي ورأى أفغانستان بعين طفل)، وهو أمير (زكريا إبراهيم) الذي أدى دوره بشكل استثنائي وصديقه حسن (أحمد خان) الذي كان يعمل خادما مع والده عند قصر والد أمير (هامايون إرشادي) الذي فقد زوجته في ولادة أمير الذي أصبح منطويا ، تلبى رغباته بدون ضغوط، لا يقوى على الدفاع عن نفسه بمواجهة أطفال المدينة الشرسين والعدوانيين، وكانت مهمة حمايته موكلة لحسن الذي حمل صفات الرجولة عوضا عنه، رغم أنه كان أصغر منه سنا وأضعف بنية. ولم يكن رجلا فحسب، بل أفضل من يقود الطائرات الورقية في كابول واستطاع في مشهد سينمائي، أن يسقط كل الطائرات الورقية المتنافسة، في اللعبة الشعبية المعروفة في العاصمة الأفغانية، حينما يبدأ المتنافسون بإدارة طائراتهم وإسقاط طائرات المنافسين بربط أجنحة زجاجية تتكفل في قطع الخيوط.


الثبات والتخاذل
إن حسن، كان رمزا للروح الأفغانية، بثباتها وقوتها ومهارتها، المدافع عن صديقه الارستقراطي الذي تخاذل عن مساعدته حينما حوصر من مجموعة مراهقين في شارع ضيق واغتصبوه، وتوارى كأنه لم ير هذا الاعتداء، ليحمل جبنه معه في المنفى.
وولع حسن بالطائرات، عشقه للحرية والاندفاع والطيران وبأس المحارب، وهي الصفات التي أراد أمير تعويضها في الدراسة، وحينما رفع أبوه النخب في حانة أميركية تحية للدكتور أمير الذي حصل اليوم على الشهادة الجامعية ( أدى دور أمير البالغ خالد عبدالله)، تضايق من هذا اللقب العلمي ليجد نفسه بائعا في «بازار» شعبي ترتاده الجالية الأفغانية.
هو مصير خالد حسيني نفسه الذي ترك الطب وأحنى جبهته للموضوع الأفغاني ليعالجه في روايات كانت هذه الأولى التي أصدرها. وهي أزمة الهوية التي أراد إثباتها وطمس عاره في السكوت والخنوع حينما تم اغتصاب صديقه أمام مرآه وتخاذل في عمل شيء، بل افتعل حادثة سرقة ساعته متهما حسن بذلك، ليغادر الخادمان قصر والده حاملين ذنوب أمير التي تحتاج إلى قدرة هائلة لكي تغتفر.
لذلك حينما تزوج أمير من ابنة صاحبة البازار اللطيفة التي تحمل كل سمات الفتاة الشرقية المحافظة حتى في جمالها، لم يكن لديه خيار في إنجاب الأطفال، لا يريد أن يقدم جبانا جديدا إلى العالم، لم يكن أمامه سوى حسن لكي يعيده إلى ترابه، منبعه، قوته، شجاعته المفقودة، ورجولته.


انهيار الجميع
إن خروج حسن بهذه الطريقة المهينة من حياة أمير، كان فاتحة لانهيار البلاد باختلاط مفرقعات الحفلة الارستقراطية لعيد ميلاد أمير مع الاجتياح السوفيتي، في الوقت نفسه، سيحمل والد أمير الحقائب نفسها لخادمه الذي غادر القصر ظلما، ويتوجه إلى بيشاور الباكستانية هربا من النظام الجديد الذي يخطط السوفيت في إقامته، وقبل أن يحشر مع أمير في خزان للوقود لكي يعبرا الحدود يأخذ بأصابعه حفنة من التراب الأفغاني ويضعها في حافظة ساعته، ليشمها قبل لفظ أنفاسه الأخيرة في سان فرانسيسكو بعد عقدين.
في الطريق إلى باكستان، ستوقفهم نقطة تفتيش للجيش الغازي، ويبدأ الاستجواب، ولا نعرف هل من الواقعي أن يقف إرشادي ليبدأ خطبة إرشادية عن الضمير على مسمع الجندي السوفيتي الذي يجيبه ماصا لفافة السجائر: «إنها الحرب ، عن أي ضمير تحدثني أيها العم».
صورة أفغانية خاصة للمتلقي الغربي وفقا للمراسم الدعائية التي اعتادها

خصيصا للمتلقي الغربي
لقد كانت للسذاجة السياسية لخالد حسيني وآرائه المكتوبة للمتلقي الغربي أثرها على سيناريو بينيوف الذي لم يخرج عن المراسم الدعائية للرواية، وكأن الحفاظ على الأصالة الأفغانية للجالية في أميركا لا تتم إلا بزيارة سوق الدجاج والبحث عن الذبح الحلال والرقص الشعبي عند توزيع الحلويات الوطنية. وحينما عاد أمير إلى كابول عبر بيشاور، شدد حسيني والسيناريو والمخرج على إظهار طالبان كوحوش، ولكي يفزعوا المشاهد الغربي لابد لأمير أن يكون في ملعب لكرة القدم حيث يُرجم الزناة في المشهد الذي كررته القنوات الإخبارية مئات المرات.
وهذا الأميركي الأفغاني لابد وأن يكون المنقذ، سيجتاز بلحية مستعارة الحدود وسيخترق ضيعة قائد ميداني طالباني كان قد أضاف إلى غلمانه أبن حسن – سهراب ( علي دينيش) ، كتكرار لمأساة والده الذي قتل في الحرب دون التوقف بمزيد من التفاصيل واكتفى من في الفيلم برسالة كان حسن قد أودعها عند العم رحيم خان (شاون توب) الذي كان يهتم بالصبيين، وفي اللحظة التي كان ينهال فيها قائد طالبان على أمير بالضرب، سينقذه سهراب كما فعلها والده حسن في الطفولة بالمصيادة ، وسيهربان من بين كل القوات الموجودة بلمح البصر.



بطولة وهمية
وبطبيعة الحال، كان مشهدا هوليوديا رخيصا بامتياز ولا يصلح لهذا النوع من الأفلام، فكيف يمكن لأمير الضعيف الهرب بالصبي سهراب من كابول حتى قندهار ومن ثم يعبر الحدود إلى بيشاور بهذه البساطة ، هذا في حالة إذا تغافلنا البطولات الوهمية التي حدثت في مقر قائد طالبان.
والذي يعرف الوضع في أفغانستان أوقات حكم طالبان، يدرك قوتهم التنظيمية في مجال الأمن، بحيث لا يمكن لعجلة جيب اختراق ثلاثة أرباع البلاد، بعد اعتداء أفرادها على قائد لهم، بهذه البساطة، لذلك حصلنا على أحداث ملفقة إلى حد بعيد، كافية لأن تسقط الفيلم برمته.

تلقى الفيلم هزيمة فنية بسبب رزم آلام الآخرين للعن الخصوم ببهرجة السينما التجارية

السقوط في الفخ
في الروايات قد تأتي حوارات ومواقف خرقاء، لكن لماذا حافظ عليها سيناريو بينيوف وفوق ذلك سار فوريستر على نهج المخطوطة، فالعداء للشيوعيين وطالبان لا يكون بهذه الصورة، فماذا يعني أن يعالج والد أمير في الولايات المتحدة على يد طبيب وخلال عملية الفحص، يعرف أنه من أصول روسية فيدفعه ويذهب إلى طبيب أفغاني يستكمل عنده العلاج، أو وصفه للملالي على أنه قرود في لحظة شفطه للكحول. ما المغزى في هذه اللقطات التافهة؟ وإذا كان فوريستر راغبا في تفادي السياسة، فلماذا يسقط في فخ أكثر خطورة: السطحية التي هي ألد أعداء الفن. إن بطل رواية إيان ميكويان «تكفير» طفل أيضا، وحمل ذنوبه وكوابيس الحرب في بلاده إلى المنفى، لكن التطهير الذي حصل عليه، بعد معاناة ومشقة جاءت منطقية وواقعية، وكذلك شريط «طعم الكرز» لعباس كيروستامي الذي لا تجد فيه أي ادعاء، وعبقرية ترجمة الإيقاعات الطبيعية للحياة وللمؤدين غير المهنيين على الشاشة وقابليته على تعبئة المشاهد بالمشاكل الحقيقية، خلافا لنص حسيني، التي باقتباسها «رامبويات» هوليوود، جعلتنا نشك حتى في رغبته للتوبة.

المؤلف خالد حسيني والمخرج مارك فوريستر

هزيمة الفن
لقد تلقى حسيني وفوريستر في «عداء الطائرات الورقية» هزيمة فنية، لأنهم لم يمتلكوا أدنى حق في رزم آلام الآخرين ليلعنوا خصومهم ببهرجة السينما التجارية. غير أن هزيمة الفيلم لم تكن منكرة، فقد أنقذها كاتب الموسيقى المخضرم ألبيرتو إيغلسيس.وعناصر الإنقاذ الأخرى كانت الأداء المتميز للأطفال والممثل خالد عبدالله الذي نعده مفاجأة حقيقية بتمثيله المحترف ومدير التصوير روبيرتو شيفر الذي أجهد نفسه بالتصوير الجوي لمعارك الطائرات الورقية، وتلفيق أغلب المشاهد، كما لو صورت في كابول فعلا، فالذي يعرف العاصمة الأفغانية سرعان ما يفاجأ بفداحة أخطاء المخرج وفريقه الذين كانوا جاهلين تماما حتى في فارق الأزياء ما بين البشتون الذين هم أغلبية سكان كابول والأوزبيك والطاجيك الذين يسكنون في جلال اباد ومزار شريف على التوالي. وفي كل الأحوال ان المشاهد السريعة بينت أن الفيلم تم تصويره في بيشاور وبعض القرى الباكستانية ذات الغالبية الأفغانية، ودخلت كاميرا منفردة إلى أفغانستان لتصور بعض المناطق التي لم يظهر فيها ممثل واحد بحوار.

ليست هناك تعليقات: