04‏/03‏/2009

The Curious Case of Benjamin Button

قطعة سينمائية نادرة وجولة حزينة في أقدارنا


حصل على 13 ترشيحا للأوسكار، إلا أنه نال ثلاث جوائز فحسب، هي أفضل إدارة فنية وتأثيرات بصرية وماكياج. كان الشريط تجسيدا للأسلوب الكلاسيكي الصارم للمعالجات الهوليوودية للروايات الغريبة ذات إطار الخيال العلمي أو الفنتازيا المبنية على الحكايات الملحمية الذي تبذل فيه التقنية بما استجد منها، كل ما وسعها لخدمة السيناريو والمخرج ديفيد فينتشر الذي شكل له نص إيريك وروبن سيوكورد المستند إلى قصة قصيرة لسكوت فيزجيرالد (نشرها عام 1921 في المجموعة الكاملة وحصتها كانت 25 صفحة) تحديا ((تسويقيا)) رهيبا، لكون الشريط باردا عاطفيا لذلك لم يتوقع أن يلاحقه جمهور كبير.

قصة فيزجيرالد حلقت حول الوهم وطبيعة الحب والخسارة والرثاء والقدر والقسوة الباردة التي صاحبت نشاطا استثنائيا لعجوز يقوم بأشياء عظيمة واعيا بالشروط غير المواتية التي تحيطه. وبين قصة خرجت بعد الحرب العالمية الأولى وفيلم ينتج في القرن الواحد والعشرين تصورات لم يبلغها الكاتب وكذلك التحوير الساحر الذي أطلقه السيناريو مادام المنطق لا يعيق الفن: لنجعل بنيامين (براد بت) يولد عجوزا وتمضي حياته إلى الخلف نحو الشباب ثم يتحول إلى طفل ومن ثم الى رضيع ليموت في النهاية. هذا المخلوق المجعد بإفراط تنقذه كويني (تاراجي هينسون) التي تعمل في بيت للتمريض : أنت قبيح كالبريد القديم،، لكنك لا تزال طفل المأساة.. وكان جسم بنيامين يكبر بينما وجهه يصبح اصغر، طفولته غير عادية لكنها سعيدة، فهو يواجه حياته بحب ليخرجها فينتشر إلى المناطق التي يرتاح لها مستخدما كل خدعه لتعريض الجمهور لتجربة صعبة.



حالة غريبة
سيضطر فينتشر إلى صرف 13 دقيقة من مجموع 123 هي دقائق الشريط ليعرفنا على حالة هذا الشخص الفريدة والشاذة وبعدها سيمر الوقت وفق نغمة واحدة وبثبات عناصر القصة التي ركزت على طبيعة الدنيا وفرص الحياة العابرة والبحث عن السعادة الضائعة في أي سنّ ومهما كان المحك العاطفي الذي يواجهه المرء. أن بناء حبكة خيالية أساسها واقعي يسهل الضغوط على السيناريو في مسائل الإقناع لاسيما في فن يعتمد على جماهير متنوعة ومختلفة الثقافة والميول، لذلك ليس من الصعب أن نبدأ في بيت رجل متقاعد أو نشاهد مستشفى حديثة حيث ديزي الباهتة ( كاتي بلانشيت) بتركيبها الصعب وبنتها كارولين ( جوليا أرموند) التي تقرأ لها مفكرة صديقها العزيز الراحل بنيامين الذي سيولد محمولا من المرأة السوداء كويني ( تاراجي هينسون) المالكة الكياسة القديمة للجنوبيات. ولد بنيامين عام 1918 ليقسم الشريط حياته على ثلاث مراحل منذ دخوله في علاقة مع امرأة بريطانية متوسطة العمر ( تيلدا سوينتون أدت دورها المساند بطريقة رائعة) في روسيا ومهما كان موقعها لا تجعلك تبعد النظر عنها. أن معظم مواقف الفيلم الرومانسية والفلسفية ستتوقف على بنيامين وديزي منذ أن شاهدها ترقص الباليه في الكاروسيل (نيويورك) ثم إلى باريس متجاوزا رفض الشابة المتهورة ذات القمة الأنثوية حتى بعد معاناتها لمأساة فظيعة ولكن العمل الدرامي يسير بشكل مرض تماما لكونه منسكبا بصدق ومتراوحا ما بين الكآبة إلى حب الحياة بتعدد مثالبها.


نجاح الفريق
ابن الهدنة سيحمل طعم العالم الخارجي الذي سيبنيه فريق تمثيل متناسق إلى حد بعيد: جيسن فليمونغ، رامباي موهادي والمحنكة تيلدا سوينتون. وسيبدأ بنيامين الإدراك أنه بدأ يصغر بالتدريج وكانت هذه من أهم فواصل الفيلم ومنها ننتقل إلى التفرغ للاستمتاع بالسينما في كل عناصرها جاذبية. وأهم ما في الشريط، أن فينتشر وفريقه نجحوا في رواية قصتهم وتقديمها لكي يشاهد الجمهور حقيقة مدهشة في قطعة سينمائية نادرة، كما كان بنيامين متفاعلا مع عمره، غير مرتبك ويسكنه الدور بلطف وسلاسة حتى في أشد حالات تطورها العاطفي، أما هينسون وسوينتون وهاريس، فلعبوا دور المساندين الذين لوّنوا مجموعة بنيامين الصاخبة ولم يكونوا محشورين في زوايا القصة وفي أماكنها الخلفية. كما كان الدور البالغ الدقة الذي لعبه مصمم الإنتاج دونالد غراهام بورت الذي اعتنى بالانتقال الزمني في البدلات والوجوه والأثاث وكل ما ظهر في مساحة الشريط والإضافات غير المحدودة لفريق الموسيقى بقيادة الكسندر ديسبلات والمشرف على التأثيرات. البصرية والصور المتحركة إيريك باربا بمساعدة استديو هودرلكس ومنسق التأثيرات الخاصة بورت دالتن والدعم المثير الذي تلقاه مدير التصوير من شركة الكاميرات ((تكنيوكولر)) بألوانها الفاخرة ليخرج لقطات ذات جودة عالية كالهبوط على البيانو كإسقاط لذاكرته الباهتة وحياته الغريبة غير المحتملة. أما الألغاز الفلسفية التي تدعو إلى التأمل والتناقضات العاطفية المثيرة للاهتمام، فيدين الشريط إلى جهود جورج لويس بورغيس أكثر من فيزجيرالد الذي راهن على المراوغة لعرض تجربة الالتصاق ما بين الطبيعة والحب، ونعتقد أن الكاتب الأشهر سيكون راضيا لو تسنى له مشاهدة الفيلم.

تعاسة إضافية
ديزي راقصة روحها شاملة وبوهيمية وتشيخ بطريقة رشيقة أمام أعيننا، فيما يولد بنيامين عجوزا من عائلة نيو أورلينز في نهاية الحرب العالمية الأولى مع بصمات أبيه المنكوب (جيسن فليمونغ) ليبدو مهتما أكثر بالفروق الدقيقة لديناميكا التعبير عن شخصية تنسحب إلى الخلف وهو انفصال مؤكد يندرج ضمن البراءة التي طبعت تركيب شخصيته. غير أننا لم نفهم ما الذي أقحم إعصار كاترينا 2005 في الأحداث وكأن الشريط كان بحاجة إلى تعاسة إضافية ولم تكفه الجولة الحزينة التي قام بها على أحداث القرن العشرين وإن كان يبدأ في القرن الـ 21 ابتداء من الكساد الأعظم والحرب العالمية الثانية لغاية الحرب الباردة.

عناصر الفوز
لا أحد يشك في موهبة براد بيت المدهشة، لكن يبدو كأن ((بنيامين)) ليس فيلمه، على عكس كاتي بلانشيت التي بدت كأن الدور طرّز لها. وفينتشر اعتمد على رواد التقنية في هوليوود مثل ستيفن سبيلبرغ وبيتر جاكسن وروبرت زيمسكس وعلى أعماله السابقة التي يلوذ فيها من النهايات التقليدية للسينما متسلقا على كتف الاختراقات كما لمسناها في ((تقرير أقلية)) و((حلقات اللورد)) و((فوريست غمب)). أما الإدارة الفنية للإنتاج، فقد فازت بجائزة الأوسكار لأن الكسندر ديسبلات أعطى الشعور للمشاهد أنه يعيش حكاية كلاسيكية أو أغنية أطفال والجهود التي بذلها كلوديو ميراندا في تصميم الإنتاج منح سمات تمتدح البعض الآخر، وملائمة جدا للتسلسل الزمني للقصة، وخاصة عندما عمل غوتا في الماكياج ليقدم براد بيت كبير السن ووينمون أصغر في كل سنة مثل كاتي بلانشيت التي تكبر ثم تكبر وهذه الرهبة كانت السبب في الحصول على أوسكار الماكياج، أما التأثيرات البصرية فقد كانت رائعة وخدمت القصة الإنسانية جدا.
وحيدا في الطريق
هكذا سارت الأقدار منذ أن بدأ بنيامين كأنه في سن والد ديزي، لكن ستصبح راقصة ناجحة في نيويورك لتعيش حياتها بمرح أكثر من اللازم، لكن حادثة تنهي مهنتها لترجع إلى البيت في نيو أورليانز، وهنا يتزامن عمرها مع بنيامين ليتمتعا بوقت سعيد، في عصر الستينات المنفجر بالبيتلز، لغاية عثورها على زوج آخر بسبب الحالة المعروفة لبنيامين حتى تتسلم نداء من المستشفى لكي تقضي أيامها وهي عجوز ترعاه حتى نهاية أيامه في خاتمة مخيفة كما توقعها بنيامين: "سأخرج من هذا العالم في الطريق نفسه الذي جئت منه.. وحدي".

ليست هناك تعليقات: