قضى المخرج الاسباني فرناندو تروبا وقتا طويلا ليكيّف رواية الكاتب الشيلي أنطونيو سكارميتا «الراقصة واللص» أو «رقصة النصر» إلى الشاشة (المؤلف ساعده كثيرا في تحرير المخطوطة السينمائية كذلك ابنه جوناس تروبا والرواية فائزة بعدة جوائز)، حيث مضت سبع سنوات منذ فيلمه الروائي الطويل «نوبة شنغهاي» وفيلمه الوثائقي «معجزة القنديل» – 2004 وفيلميه الرائعين «فتاة أحلامك» و«بالكثير اثنين»، ليختار في النهاية الأسلوب الأكثر قبولا لدى المدرسة الاسبانية وهو الغنائية الرومانسية لعرض دراما مكتملة روائيا لسجينين أطلق سراحهما بعد سقوط الدكتاتورية في شيلي، مزيلا من الرواية تفاصيل النثر الفلسفي ومزيحا الاتصالات بالطب النفسي وغرابة الأطوار لدى الرجلين، ليقوي معنوياتهما الخامدة في السجن بلقاء فيكتوريا التي ستورطهما بالميل نحو القانون واستبدال تجاسر السرقة بالمنح. رقص تحت العاصفة
وبالرغم من أن اختيار ( نيكولا فيرغارا غراي ) ريكاردو دارين ناجح لاتينيا، لكونه نجما في القارة ( الممثل الرئيسي في الفيلم الأرجنتيني «سر عينيك» الذي رشح للأوسكار عن أفضل فيلم أجنبي)، فإن مهمات تروبا التي حملها له، كانت كافية لأن يرقص هو الآخر تحت العاصفة، على عكس آبيل (وربما هابيل) آيالا الاسباني الشاب الذي قدمته السينما الاسبانية في عمر 14 سنة، فقد صبّ الشريط بطاقة وديناميكية، افتقرت إليها سينما أميركا اللاتينية التي كانت مجهدة دائما بالبحث عن الإرضاء في تعاملها مع «الواقعية السحرية».
وسط الاحتفالات بالعفو سيستقلان سيارة أجرة في محاولة من دارين لإيجاد زوجته تيريزا (أريادنا غيل) وابنه وإعادة ترتيب عائلته بعد السجن، سيلاحظ السائق أنهما يجوبان شوارع سانتياغو المرحة بالديموقراطية الحديثة، كمفلسين، صامتين وحائرين وبمعنى أدق، ان زبائنه يسيران بلا هدى وبدون عنوان.
النهوض عشقا.. السقوط انتقاما
لكن فيكتوريا (الممثلة الاسبانية ميراندا بودينهوفر) التي تعيش مع امرأة عجوز، ستظهر لهما ويكتشفان أن أبويها اعتقلا أمامها في الطفولة وقتلا أثناء القمع الدكتاتوري للجنرال بينوشيه، وبتطور سلس ستنتهي إلى رقصة في المنتزه، كافية لأن يسقط الشاب الاسباني فورا عاشقا لبراءتها.
غير أن هذا العشق لم يسعفه، للتجنب من الثأر – بطريقة بدت غريبة – من الدكتاتورية واغتصابه المستمر من قبل حراس السجن، بانتزاع ما اعتبره «حقه» بالسرقة وإعادة تلك الملايين التي سرقها بينوشيه، من المجرمين الحقيقيين الذين حصرهم برجال الأمن لكي يعطي سلطة أخلاقية مريحة للسرقة.
فكرة بسيطة للانتقام ومتوقعة ومعالجتها محدودة جدا والضرب على وترها لا يؤدي سوى إلى نتيجة معروفة أيضا، من جانب آخر، ستطرح أفكار مثيرة، حتى في غضون الغزل، أو الجولة على الحصان في شوارع المدينة، كما لو كان الحصان يحمل هذا الحب وسط المدينة الشاحبة، وآيالا بدوره، يغسل نفسه عاطفيا.
ان مشاهد فيكتوريا في مدرسة الباليه وعلى المسرح، لها سحرها القديم على مشاهدي السينما الاسبانية، والرقص عادة في الفن اللاتيني أقدم من صناعة الأفلام.
ترتيب السيناريو
لكن ما الذي دفع فيرغارا إلى مراقبة زوجته (صارت سابقة بعد انتقالها للعيش مع خليل جديد وغني) ويُجازى بموازاة رغبته في الحياة، إلى فقدان كرامته ويعامل كلص بنوك محترف يريد الاختفاء من ماض مرتبك بأمنيات المستقبل المستقيم!
ربما تكمن مشكلة الشريط في ترتيب السيناريو، فالفواصل جاءت غريبة في حوار نيكولا وزوجته، وتلك الأصوات الداخلية بينهما التي استعملت كثيرا في السينما وتحتاج خاصة في المواضيع المظلمة أن تستخدم بشكل نافع ولا يحبذ أن تلصق كفوبيا تشوه الصورة بالكامل.
غير أن عمل مدير التصوير جوليان ليزما كالنغمة الدافئة جاعلا كل شيء في سانتياغو جذابا، الجبال المغطاة بالثلوج والنجوم قرب المدينة قدمها بشكل جميل كخراب سانتياغو وفنادقها الرخيصة والبيوت المتهالكة وطوال 126 دقيقة صمم لقطاته بفاعلية، كصعود آيالا وفيكتوريا بالحصان نحو القمة كإشارة لبحثهما عن الحرية، الفخمة والمنظورة.
الرقص كانتصار
ان الرقص في المأساة بحد ذاته انتصار، غير أن مهمة تروبا تنحصر في رواية حكاية الحب والصداقة والانتقام عبر الرقص، وهي خطة معقدة فنيا، لاسيما أنه تدار من أشخاص مدمرين ذاتيا.
انه فيلم عن الحب بين المهمشين وميلودراما جريئة بوثبات محزنة وطيبة وممتعة تفتقر الى الترقب ومتوقعة، يعود فيه فرناندو تروبا إلى سباق جوائز الأوسكار (فاز فيلمه «بيل» بالأوسكار عن أفضل فيلم أجنبي عام 1994) بعد أن رشحته الأكاديمية الاسبانية للسينما لتمثيلها مع شريطي «البدين» لدانيال سانشيس اريفالو و«خريطة أصوات طوكيو» للمخرجة ايزابيل كويكسيت لدخول مسابقة أفضل فيلم أجنبي في الدورة القادمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق