نعود الى مايو 1944 وبطلاتنا غير العاديات هنّ: لويز - صوفي مارسو وجين - جولي ديبارديه و سوزي - ماري غيليان وغالي - ديبورا فرانسوا وماريا - ماري سانسا، خمس مجندات فرنسيات يحركهن المخرج جين بول سالوم بين صفوف المقاومة الفرنسية ومجموعة المغاوير البريطانية، مقربهم نحو «النصر الوشيك»، ما بين الانقاذ والانتقام، العاطفة والوحشية بقصة ملهمة ومزينة بما تحتاجه السينما تقدم لنا «أحداث حقيقية» عن حياة المقاوم الفرنسي ليس فيلمر لمدة 120 دقيقة.
خمس نساء
وهكذا لدينا قناصة محترفة ومومس سابقة مجبرة على الانضمام الى المقاومة وصانعة متفجرات وفتاة استعراض ويهودية ايطالية يعملن جميعا في المقاومة الفرنسية ويجتمعن لإنقاذ جيولوجي بريطاني أسره النازيين.
وبإيجاز، لم نلمس بطولة استثنائية كما يشير عنوان الشريط، ولكنه في الوقت نفسه، أعمق من مئات أفلام الحروب التي تمجد جيوش ودول بعينها وتحاول بعثرة التاريخ على هواها.
إنه مواصلة جيدة لجيل الأربعينيات والخمسينيات وتلك السنوات المريرة التي مرت بها أوروبا ولا تحاول نسيانها، باسترجاع حوار قصصي يضع المشاهد أمام خشبة مسرح مثقف، هذا الأسلوب يشد البعض أكثر من الأحداث التي بلغت الذروة بطريقة محترفة، ولعل أي من عجائز الحرب لو تتاح له مشاهدة الشريط، سيطلع على المبادئ نفسها التي ضحى من أجلها رفاقه.
وبلا شك، فإن الشريط سيكسب الكثير في شباك التذاكر، لكونه لم يغفل الجمهور العادي وقدم له تسلية موفقة.
تقلبات السرد
لنبدأ في لويز التي حملتها جميلة مراهقات السينما في نهاية السبعينات صوفي مارسو التي وجدت نفسها هاربة الى لندن بعد مقتل زوجها، وفجأة نرى أنها معنية بجهاز المخابرات السري هناك وعليها أن تجند، ليس على طريقة سوزي المتعلمة جيدا طرق الابتزاز والخداع والكذب والاغواء وغالي الكيميائية الخبيرة بصناعة المتفجرات.
تقريبا، سنحصل على مجموعة مدربة لتنفيذ العمليات الجسورة ولا نملك إلا متابعة تقلبات السرد الروائي الذي اعتمده سالوم والقتال الخاص الذي اعتمده السيناريو مثل «خط واضح» لأسلوب تسيطر فيه الدراما الرسمية كطابع فريد لهذه المصائر.
البساطة والإثارة
ويمكن اعتبار السيناريو بسيطا لموضوع مثير، فالفن في النهاية لابد أن يؤدي إلى الإقناع، ومع ذلك رغم صعوبات البساطة، نعتقد أنه نجح بتقديم فيلم أنيق، لاسيما أن في هذا الطراز من الأفلام الجادة، لا وجود لضمان في التوازن ما بين الأقدار، لا آمال في أن الجميع سيخرجون سالمين من المآزق والأخطار، كما فعلت هوليوود في سلسلة أفلام المجموعات البطلة (العظماء السبعة والسلسلة التافهة لملائكة تشارلي وغيرها مئات).
وفوق ذلك، نجح سالوم بتنفيذ مغامرة رومانسية، حيوية ومدهشة، كانت تقضم من أحداث الفيلم، ولكن كالماء السائر في الاعتبارات الجرداء – الفكرية مثلا – فيلم لم يضيع وقته ولا وقتنا، فيه فائض من الدقة.
الفوضى الخلاقة
وبالتالي، لا يتردد الفيلم في تقديم العبر ولو بصمت (كنا نود لو يكون الأمر صامتا)، والتمثيل؛ أمين وذكي وجميل وبالنتيجة ممتع.
أما الدروس المستفادة من التاريخ – بالمعنى الدقيق للكلمة – فهي ليست كبيرة وليس لها صدى ولا طموح، وهذا المطلوب بالضبط، كما هو المفيد ألا ننسحب باعتباره رسالة لتمجيد دور المرأة في الحرب، فالفن ليس مهمته تكريس مثل هذه الشعارات، بل أحيانا تهشيمها.
كما يورطنا الشريط بمفاجأة أخرى، أن دعايته تلمح على قتامته، وهذا لم يحصل، فثمة كوميديا متجذرة كالأوقات الطيبة في عمق المحنة، مثل نساء سالوم : يمكنهن ايضا أن يكنّ جميلات وبذيئات، عنيفات وعاطفيات، جاسوسات ومضحيات، وفي نهاية المطاف، هي ذي الفوضى الكبيرة القادمة في الفنون، كالعدو الحميم في الشريط الممثل الألماني موريتس بلايبرتي.
الصفة الكبرى
الشر لم يقدم من أجل الشر، كما الإيثار والحب والانتكاسات والمكائد والسقوط والانعطاف الحاد للخير، وهذه صفة الشريط الكبرى، إن كل شخص ظهر فيه مثير للاهتمام، وإن كان سرده كلاسيكيا، لكنه مبني بشكل صحيح، لذلك لا مشهد عديم الجدوى، لم يترك سالوم شعرة في الحساء يصدع فيها جهده، حتى عندما كتب سيناريو (بمشاركة لوران فاود) بلا ذروة، فهذا يمكن غفرانه لكونه لم ينسف المصداقية وتوزيع نصيب المسؤولية على كل من ظهر في الشريط. ويشجعنا ذلك على مقارنته بالتحفة الفنية لبول فرهون «الكتاب الأسود» الذي كتب السيناريو معه غارسيا فان هوتين عن نساء الظل في هولندا.
إن جان بول سالوم يملك موهبة تشكيل الأفلام الملحمية وأكد في هذا الشريط قدرته على خلق التوتر والإثارة وكذلك المعالجة المظلمة للأحداث المأساوية التي صورت في قلب باريس لدعم صحتها في عرض التاريخ المنسي للمقاومة الفرنسية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق