16‏/10‏/2009

Notorious

عنوانه ذكّرنا بأحد أفلام ألفريد هتشكوك الذي عرض عام 1946، لكن الشريط الذي ظهر في مهرجان برلين لأول مرة هذا العام، اختار عشاق مغني الراب Biggie Smalls المعروف أيضا باسم كريستوفر والاس الذي قتل عام 1997 ولم يكمل 24 سنة.
والأفلام التي تتناول الناس الذين رحلوا قبل أوانهم، لطالما أصابت المشاهدين بالخيبة والحزن، وفي أحيان كثيرة بالإحباط، لتعرفهم على جوانب خاصة لم يألفوها بمن كانوا يحبونهم أو لأن الأفلام لم تصل إلى مستوى تلك الشخصيات الغائبة.
وهذا الخيار الصعب قبله المخرج جورج تيلمان (الابن) وكاتب السيناريو ريجي بوثوود بمساعدة الصحافي تشيو هوداري كوكير، لكي يقدموا سيرة ذاتية يمكن تصديقها عن شخص كانت قصائده المغناة ( مع صديقه شون كومز) مكرسة لتأسيس مدرسة «موسيقى الشارع» بحيويتها الميلودرامية ومعقوليتها وكذلك سوء سمعتها.
وتيلمان عمل مع الأميركيين من أصول أفريقية في «طعام الزنوج»، و«رجال الشرف»، و«لا شيء»، و«كلا» و«صالون التجميل»، ولم يكن منافقا في أيّ منها، ومنحت له الفرصة لأن يمتع جمهوره بسيرة أحد أهم رواد موسيقى الراب ورفاقه الذين كان يطلق عليهم «سيئو السمعة»، باختزال سينمائي واقعي مندمجا مع الفريق الذي لم يبد هشاشة تقنية.
ان أزعج أمر في أفلام السيرة الذاتية تحولها إلى شهادة لمواد خام أو بالعكس حينما تسيطر عليها المبالغة الخيالية، والحالتان يعييان الفن، هذا من جانب، ومن الآخر، ان تصفية الحسابات مع الموتى وكشف خصوصياتهم السيئة منها أو المجيدة، لا تعد ذات قيمة برحيل الشاهد الرئيسي، ناهيك عن اختراع السمو أو الانحدار ودسّ الفضول في الهوية الإنسانية التي هي ملك صاحبها فحسب، بينما كان الأجدر عرض الأجواء التي برز فيها هؤلاء الشبان وحقيقة الشارع الذي أنجب فنهم الذي لسنا بصدد إحصاء عدد المعجبين الهائل الذين التصقوا به.

تغيير العالم
لدينا دبدوب منتفخ يحمل طفلا محبوبا في داخله ونظرة قاتل محترف، عاش بترف وكان يدافع عن حريته ويرفض القيود وتهيأت الفرصة للممثل جمال وولارد ليكون شبيها لمغني الراب كريستوفر والاس، ويفلح في تقديم شخصيته بمساعدة المساندين الأكثر تجربة منه وبشكل خاص أنجيلا باسيت وديريك لوك، كما لعب الممثل الحسن الطالع انتوني فيشر (شاركناه في «معجزة سانت آنا» على هذه الصفحة) ورجل أعمال كانت وظيفته حث ّ المطرب البدين لأن يكون حلمه كبيرا كحجمه، ممتدا نحو النجوم ليباركه الله في «تغيير العالم».
هذه الكلمات نسمعها مرتين في الشريط، ولم يكن استخدامها واضحا كليا في الحالتين، وهذه من صفات الأفلام المستعجلة التي لا تعتني كثيرا بكل حرف يقال وتكوّم كل ما لديها من أفكار سوية. لذلك لم نعلم هدف المجموعة في تغيير العالم، هل كما كانوا يطمحون الى أن يكونوا مشهورين، نقودهم لا تحصى، ملابسهم أجدد، فرصهم الجنسية غير محدودة، أم يحصدون الجائزة الأهم: ترسيخ أسلوبهم الجديد في الهيب هوب لدى الناس؟

ممثلو الشارع
يبدأ الفيلم في بروكلن (نيويورك) مع كريستوفر والاس الشاب حينما يقرر أن يحدث أثره في العالم متحاشيا تعاليم أمه الجامايكية فايليتا (أنجيلا بوسيت) التي لا يوجد لديها غيره في الدنيا بعد أن تركه أبوه زير النساء المحترف، لكنه يصيب أمه رغم حبه لها، بخيبة الأمل حينما يعوض المدرسة بالسجن ومنه سيكتب قصائده الغنائية وما أن يصبح خارجه، سيبدأ مهنته كموسيقار من طراز خاص وأول من سيؤمن بأسلوبه المبتكر صديقه كومز (ديريك لوك) الذي يرعاه بصفته أحد «ممثلي الشارع» الرئيسيين.
ومن ذلك الوقت سيطلق على هذه المجموعة التسمية الشهيرة Biggie Smalls التي ستتعاون مع مغني راب آخر ليل كيم (ناتوري نيغتون) ومغنية مجموعة 3 LW إيفانس (أنتونيكا سميث) التي ستصبح زوجة كيم فيما بعد، وسيعاني الجميع بعد فترة من الانشقاق المؤذي لصديقهم الثائر توبيك شاكور (أنتوني مايكي). لاحقا، ستأتي علاقته مع كيم وزوجته إيفانس معجونة بالغيرة والغضب والأذى مفتتحة تجربته المبكرة في سجن كارولينا ومحددة مساره الإجرامي الرئيسي الذي كان نهايته القتل الغامض في لوس أنجلوس.
ومن عنوانه يمكننا أن نحزر أن Fox Searchlight Pictures حددت أعمار جمهور فيلمها لما فوق السابعة عشرة سنة، ولمن شاهد الـ 100 دقيقة سيتضاءل لديه الأمل في رؤيته على الشاشات المحلية، لكونه «سيئ السمعة» بما يكفي في ممارسات الجنس الكثيرة المصحوبة بالتعامل شبه العادي مع المخدرات.

من أجلهم
بداية، كان حضور جمال وولدراد طبيعيا وضروريا، رغم أن تمثيله يصاب بالتصلب أحيانا، لكنه كحامل شخصية الـ Biggie Smalls يكون أيضا كبير الأهمية، متوازنا مع النجاح السابق للشريط الوحيد الذي أصدره، الشاب الذي يقابل بابتسامة تقريعا قاسيا لفتاة حاول استمالتها: «أنت دهين وفوق ذلك أسود وقبيح جدا»، إلا أنه عميق وموهوب وسينجح في غضون أربع سنوات في أن يكون مشهورا جدا وكذلك ميتا.
ونهاية، يعتبر الشريط قصة قياسية لبروز موسيقى الراب وحكاية طفل رفع نفسه من زوايا الشارع إلى القمة، ونظرة محايدة لثقافة العنف والموهبة التي لم تنقذ صاحبها.
ولعلنا نتجرأ في الحكم على أن الموسيقى التصويرية كانت أقوى عناصر الشريط الذي لا نملك إلا التعاطف معه وتلك الأغاني المبكرة التي ساعدت هؤلاء الشبان على "تغيير العالم" ومن أجلهم لا مجال للحديث عن زلات السينما، وهو ما حاول تيلمان مراعاته في التركيز على هيبة الفنان في بطله، على أصدقائه وجمهوره، على مغازلاته وصبره ودأبه وترقيه ومن ثم نجاحه المبهر.

ليست هناك تعليقات: