06‏/08‏/2008

Moliere

Moliere

فيلم فاخر وبارع جديد يخرج من فرنسا يتأمل الكاتب المسرحي المحافظ على شهرته منذ القرن السابع عشر موليير من إخراج لورنت تيرارد الذي تخرج من الأكاديمية السينمائية العليا التابعة لجامعة نيويورك وشارك غريغوري فيغنيرون كتابة السيناريو بعد دراسة طويلة لأسلوب مولير واحترام سمات الضعف الإنساني التي كتب عنها بشكل ساخر: النفاق، الخيانة، الطمع والاندحار. جرى التصرف بشكل ممتاز بالسيناريو ليظهر كعمل ممتع بالأداء المؤلم والممعن الموهبة من قبل النجم الفرنسي الصاعد رومين ديريس الذي جاب حياة مولير وتقمص حياته وأزماته وهيامه وعذاباته، ساعدته في أدائه الملائم جدا الرائعة لورا مورانتي والممثل المخضرم فابريكي لوتشياني الذي منح الشريط أهمية إضافية.


Making Of Moliere 2007 1ere partie

تجول السيناريو بذكاء حول مسرحيات موليير وجولات فرقته في الريف وحمل الشريط كل العاطفة الرقيقة عبر رسائل موليير الغرامية والسرور البصري والموسيقى الرفيعة للكلاسيكيين المذهلين.الممثلون الرئيسيون في الفيلم يشتغلون كما يجب، ولكن لم نفهم التحديق المستمر لموليير في الفراغ الذي يظهره كذكي متفق عليه تاريخيا، بينما تعتبر مثل هذه اللحظات مشاهد ميتة في القصة.
Making Of Moliere 2007 2eme partie

أما اختيار ديريس، فلم يتطلب صعوبة ودهاء من فريق المنتجين، فهو مناسب جدا لأن يكون موليير القرن الواحد والعشرين وقد يكون المرشح الوحيد للعب هذا الدور ببنيته الضخمة ولحيته المرافقة لعينين حددهما الظلام تعطيان انطباعا صحيحا بالجدية ومثيرا للعب علاقة عاطفية معقدة بما فيها من غزل وتملق وخداع وإرادة تكفي للظفر.وبدا ديريس مقنعا إلى حد اعتبر من شاهده بأنه موليير الحقيقي، الشاب العشريني والرجل المكافح الذي يجبر على كتابة رسائل الحب للعاشقين المغمورين مانحا المشاهدين رومانسية هزلية عذبة وإنسانية إلى حد كبير، ولعله وصل حتى إلى أولئك الذين حضروا بإرادتهم لمشاهدته ولا يملكون المشاكل نفسها التي حاول الاندساس فيها كممثل ملتصق بشخصية عبقرية معذبة وخليعة ومؤذية ومشوشة الأفكار وملهمة في تلك الأوقات من عام 1650 حينما جابت فرقته لسنوات العديد من المدن الفرنسية ووصلت إلى ضواحي باريس وتوجت في مركزها بالومضات الدرامية غير المألوفة لجمهور ذلك الزمان التي ضمنت خلود هذا الكاتب الأثير.

Making Of Moliere 2007 3eme partie

مأزق أفلام المشهورين
في نسخة المخرج تيرارد هناك بعض التغييرات في السيرة المعروفة لموليير، لاسيما ما اعتاد صناع السينما فعله حينما يتناولون حياة المشاهير، فهم بطريقة ما يفترضون علاقات حب سرية يجعلونها كالمفتاح الذي تتعلق فيه السيرة لفتح ألغاز عالمها المركب والعبقري. فلا يشك أحد في إبداع موليير في الواقعية الهجائية والكوميديا الساخرة وحتى الهزلية التقليدية، فهو الذي أثبت أن المسرح ليس مأساة في جوهره وأن الكوميديا لها قوة المأساة لو اقتربت من الشرط الإنساني، وكان من السهل عليه كتابة المأساة، لكن تلهفه انصب في الهجاء المر ودخل إلى روح شخوصه ووحدتهم وحزنهم وتطلعاتهم الصادقة ونجح في إطلاق سيل الضحك من الجمهور المختلف: الكادحين والفقراء والنبلاء إلى الملك.

Moliere Clip

إلا أن تصورات السيد تيرارد بتسيير إلهام الكاتب المسرحي بتأثير رجل مدع من ابتكار السيناريو أطلق عليه اسم جوردن (فابريكي لوتشياني) يضعنا في حالة تردد لتقبل سيناريوهات السير الشخصية وقد يخرج أحد المتزمتين في التاريخ ليعتبر عددا من الشخصيات التي أثرت في مسيرة موليير وهمية، وبالتالي لا أحد سيوقف حكمهم لو قالوا إن هذا الإقحام غبي، ويمكن لكاتب السيناريو أن يقود شخوصه في نومه وليس على شريط يحمل اسم موليير الذي يعرف الجميع أنه عاش حياة هادئة نسبيا خالية من الفضائح وكأي عاشق ابتكر طريقه من دون مجون.
Luchini dans Molière

حكاية جديدة
سجن موليير في الحياة وفي الفيلم أربعة أسابيع بسبب ديونه. (في الحقيقة اختفى موليير لعدة أشهر ولم يتفق مؤرخو الأدب على حل لغز هذا الاختفاء)، وبعد خروجه تجول في فرنسا لإتقان مهنته وعلى هامش هذا التجوال رتب علاقة عاطفية غير مواتية لأرملة شابة مع جوردن المنتمي لعائلة ارستقراطية كانت تصيبها بالجزع بعد أن دفع ديون الكاتب المسرحي.جوردن هذا، ضيق الأفق أهمل زوجته الشابة الجميلة والجذابة والمحرومة من أي مودة منه وكان يتركها لينضم إلى موليير المتجول في الحدائق المظلمة. وعلى المسرحي الوسيم تدريب الارستقراطي على الأمور الدقيقة في التمثيل وطريقة استخدام اللغة الشاعرية لكي يحوز اعجاب الأرملة الشابة التي لا تحبه كثمن الحرية التي دفعها لإطلاق سراحه. وينبغي على موليير أيضا، الاستمرار في هذه اللعبة وإقناع زوجة جوردن الفطنة (لورا مورانتي) بأنه معلم تقي وأنه مستأجر لتعليم بنتيها فاني وميلاني فحسب. وكباقي أفلام هذا العصر تعامل الزوجة المعلم الغريب باستعلاء وتوتر تمهيدا لتطور علاقاتهما الرومانسية.ولكن ما الذي سيحدث بعد هذا الاتفاق؟ هل سيقع موليير في حب زوجة جوردن؟ ستكثر التعقيدات في هذا الاتفاق والعلاقة الغريبة نتركها لكي لا نبطش بالفيلم ولاسيما لأولئك الذين لم يشاهدوه حتى الآن.
La Mort de Molière

حزمة نجاح
يمكن القول أن كل العناصر في الفيلم وجهت لتقديم كوميديا حادة فيها حزمة كافية من الضحك على الطريقة المولييرية وكذلك نجح الإخراج في تصوير أجواء ذلك العصر ووحد رؤيته من خلال نظرة موليير واعتمادا على أسلوبه واستندت اللعبة السينمائية إلى تقليد روح موليير التهكمية وأسلوب الحياة الفرنسية وبعض الوسامة والكثير من الضحك التي منحت وقتا طيبا في الفيلم الذي فيه بعض التقليد لأفلام فرانسيز فيبر وسوف لا يجد أي ناقد صعوبة في مقارنته بفيلم 'شكسبير عاشقا' المنتج عام 1998.
L'avare De MOLIERE

عناصر تفوق
الإنتاج موفق ماديا، فقد صور في أماكن تعكس صورة القرن السابع عشر بشكل مجسم، بينما أدار دي بي جلز هنري التصوير بمهارة 'صناع محترف أبهر المشاهدين بفيلم عن فان كوخ' بدوران الكاميرا المتقن والعودة إلى الماضي وتركه للديكور في الوقت المناسب ومتابعات نوبات الفيلم الزئبقية والتركيز على المواقف الحلوة والمرة والتناظر الرشيق الذي أدمج فيه نص فيغنيرون السينمائي بالمخطط الكثيف لتيرارد مفندا التوقعات السريعة للأعماق المخفية للشخوص، وخاصة تلك التحولات التي تطرأ على جوردن غير الواجب ملاحظتها بسهولة وشهوانيته التي كان ينبغي رسمها في عمق الشخصية وليس على سطحها. وساعد مدير التصوير على إظهار رومين ديريس كممثل كوميدي محترف حتى وهو خارج النص، وما وفق فيه بأداء مكتمل لم يترك حركة واحدة تمر بلا إيحاء، وهذا ما يشجع على اعتبار هذا الفيلم الذي يستمر 120 دقيقة أحد أهم وأفضل ما أنتجته السينما هذا العام.

ليست هناك تعليقات: